(البلطجية)
غالباً ما توصف البلطجة في كثير من الأحيان على أنها شكل من أشكال المضايقات التي يرتكبها المسيء الذي يمتلك قوة بدنية و/ أو اجتماعية وهيمنة أكثر من الضحية.
والبلطجة هي فرض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين، وإرهابهم والتنكيل بهم.
واستخدمت تسمية البلطجية أثناء ثورة 25 يناير ضد نظام حسني مبارك عندما حصلت أعمال سلب ونهب ألقيت تبعتها على مجاميع من البلطجية.
كما أن ظهور البلطجية على مسرح الأحداث في الثورة المصرية أساء إلى صورة الحزب الحاكم.
والبلطجة في الاصطلاح هي استعمال القوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة؛ وهي نابعة من احتياج صاحب القوة - فردا أو مجتمعا أو دولة- لموارد ومواهب وقدرات الآخرين لتوظيفها بطريقة نفعية.
وبغض النظر عن معنى البلطجة، فمن المؤكد أنها أصبحت من الظواهر المعتادة في حياتنا الحديثة - فرديًا وجماعيًا ومؤسسيا
ويعتقد أن ضباط مباحث أمن الدولة في مصر استخدموا هؤلاء البلطجية في التعامل مع النشطاء السياسيين مستغلين حاجتهم إلى المال, حيث تنتمي غالبيتهم إلى مناطق وأحياء توصف بأنها هامشية. ويتم تخييرهم بين أمرين, إما الاعتقال في حال عدم تنفيذ المهام التي توكل إليهم، وإما منحهم بضعة جنيهات في حال القبول والقيام بهذه المهام. وعادة ما يعرف المصريون البلطجية من شكلهم العام، حيث أنهم عادة ما يكونون ذوي خدوش و جروح عميقة في وجوههم، و لهم طريقة مميزة في ارتداء ملابسهم و أسماء شهرة غريبة من نوعها.
وتتمثل خطورة هؤلاء البلطجية في كونهم (أدوات عنف بلا عقل)، فهي قد تفسد خطط من يستعين بها، حيث لا يقوم ضباط الأمن وكبار قيادات الداخلية بتقديم معلومات حقيقية لهؤلاء البلطجية، بل يعرضونهم إلى عمليات "غسيل مخ" بحيث يتم إقناعهم بأن الخصوم هم أعداء يجب ردعهم ، وأن ما يقومون به سوف يحمي البلاد من أخطار الفتنة الكبيرة المحدقة بها،
ولذا فإن الاستعانة بهؤلاء البلطجية تبقى محفوفة بالمخاطر.
وهناك خوف من أن يكون المصريون تخلصوا من حكم متسلط ليقعوا تحت حكم البلطجية والفوضويين.كما أن هناك شهور مرت وهناك حالة من الصعود للبلطجة بأنواعها..
ولا يمكن القول بأن البلطجة ظاهرة ولدت بعد يناير. بل إن الحزب الوطنى المنحل كان يستخدم البلطجية فى الانتخابات وفى تصفية خصوماته السياسية. وبالتالى فالبلطجية كانوا تحت السيطرة والتوظيف,وهم الآن يريدون فرض قانونهم الذي يعنى رفض الاعتراف بأى قانون.
كما أن هناك فئات لا تريد عودة الشرطة، وهم في الأساس لصوص وبلطجية وتجار مخدرات. وهم الأكثر تهديدا للثورة والبلد، ما لم يتم اتخاذ موقف منهم. قبل أن يسود قانون البلطجة.
رؤية نفسية للبلطجة :-
إذا كان المجتمع ينظر إلى البلطجة على أنها نوع من السلوك المرفوض كان طبيعيا أن تلقى نوعا من الاهتمام بين علماء النفس وخبراء السلوك حتى أنهم يرون أن الظاهرة ليست جديدة؛ بل إن لها جذورا اجتماعية، وتحدث بنسب متفاوتة في مختلف مجتمعات العالم، وهي بالنسبة لمجال الطب النفسي أحد أنواع الانحرافات السلوكية التي تحدث نتيجة الاضطراب في تكوين الشخصية سواء الفردية أو القومية والتي تحتاج إلى التكوين السوي للصفات الانفعالية والسلوكية التي تشكل الشخصية في وقت مبكر، وتتصف بالثبات والاستقرار.
ويرى علماء النفس والسلوك أن هذا الاضطراب؛ قد يتحول إلى نوع من الانحراف والجنوح، وهو الذي يطلق عليه في علم النفس "الشخصية المضادة للمجتمع".
ولعل في هذا المصطلح وصف لما يحدث من خروج على قوانين المجتمع وعدم التوافق مع الآخرين، والاصطدام بالقوانين الاجتماعية والأعراف العامة، وهو ما يوصف أيضا بالشخصية السيكوباتية التي قد تمارس أفعالاً، من بينها البلطجة.
والبلطجة لا ترتبط - بالضرورة- بالعنف؛ فالبلطجي أحياناً لا يكون في حاجة إلى إيذاء الآخرين للحصول على ما يريد أو فرضه بالقوة، بل قد يكون مَكمنُ قوته ظروفا نسبية معينة، مثل سوء استغلال أصحاب رأس المال للعمالة بسبب ظروف السوق والبطالة؛ فهذا نوع من البلطجة، وأحيانا ترتبط البلطجة بحالة من استدرار العطف مثل المتسول الذي يدّعي المرض والحاجة حتى يبتز أموالك.. فهذا أيضا نوع من البلطجة المعنوية التي تستخدم تكتيكاً عاطفياً.
وفي نهاية المطاف توجد بالطبع البلطجة المرتبطة بالعنف، وهي التي تعتمد على التلويح بالقوة بشكل أو بآخر لإلحاق الأذى بالآخرين، وغالبا لا يحتاج البلطجي لاستعمالها بشكل سافر؛ إذ يكفي التلويح بها أو استعمالها مرة واحدة ليصير المتضرر مثالاً يدفع الآخرين للخنوع.. مثال على ذلك المفسدون الموجودون في بعض الأحياء العشوائية كنموذج لبلطجة الأفراد..
والبلطجة الشائعة - إذن- هي ذلك النوع الذي يعتمد على القوة، سواء كانت القوة البدنية على مستوى الأفراد، وهذا النوع يعتمد على التلويح بالقوة..
وهذا النوع من البلطجة يفكر فيه البلطجي بقوته المادية، وينظر إلى عضلاته وقدرتها على البطش..
والعنف كما ذكرنا ليس شرطا في ممارسة البلطجة بصفة مستمرة؛ فقد يكفي البلطجي أن يرتكب أفعالا عنيفة مرة واحدة لكي يهابه الناس ويخافونه، ويتجنبون الاحتكاك به؛ بل ويخضعون لكل ما يطلبه..
كما أن الأسرة لم تعد تقوم بدورها في تنشئة الأبناء التنشئة الصحيحة؛ فقد صار الأبناء كورق الشجر تتقاذفه الرياح؛ فهم يتلقون قيمة من هنا وقيمة من هناك؛ فهم يقضون وقتهم أمام التلفزيون.. بل نلاحظ ما هو أكثر من هذا، وهو حرص الأسر على تنشئة أبنائها على العنف اعتقادا بأن ذلك يجعلهم أقدر على مواجهة الحياة، ولا ننسى ما أصبح شائعا في الأسرة من خلافات بين الآباء والأمهات يتبادلون خلالها العنف اللفظي أو الجسدي، وهذا درس هام بالنسبة للأبناء يتلقونه عن طريق الملاحظة.
وبالنسبة للعامل الثقافي فإننا نلاحظ أن ثقافة اليوم تعتمد العنف وسيلة لحل المشكلات، وتنظر إلى ما تقدمه السينما من أفلام تدور في أغلبها حول البطل العنيف والبلطجي الظريف وتعاطي المخدرات والعصابات؛ فيشاهدها الشباب ويتأثرون بها.
ومقاومة البلطجي ليست بالأمر الهين؛ فهي تحتاج إلى إعداد ثقافي محوره: (لا تخشَ أحدًا إلا الله)، وجماعة اجتماعية وشعوبًا وأمة لا تقبل تهديدات ولا عروض البلطجي (سياسات العصا والجزرة). ثقافة المقاومة قوامها الفرد المؤمن الواثق القوي المناضل في سبيل الحق والعدل؛ فيكون لدينا مجتمع قادر على المقاومة والانتفاض والصمود الصابر، ولعل من أولى خطوات مكافحة البلطجة بمستوياتها التحرر من ثقافة البلطجي ذاته التي قد يستبطنها من يمارس عليه البلطجي إرهابه؛ فيركن للخنوع، ويخضع لأسطورة القوة التي لا تُقهر.
وفي الدراسات النفسية التي تقوم على الفحص النفسي لشخصية هؤلاء المنحرفين أو البلطجية، فإن المظهر العام يبدو هادئا مع تحكم ظاهري في الانفعال، غير أن الفحص النفسي الدقيق يظهر وجود التوتر والقلق والكراهية وسرعة الغضب والاستثارة لدى هؤلاء الأفراد، وهم لا يعتبرون من المرضى النفسيين التقليديين، ولا يعتبرون مثل الأسوياء أيضا، بل هي حالات بينية يمكن أن يؤكد تاريخها المرضي الميل إلى الانحراف والكذب، وارتكاب المخالفات في الجرائم كالسرقة والمشاجرات والإدمان، والأعمال المنافية للعرف والقانون. وتكون الجذور والبداية عادة منذ الطفولة، وهؤلاء لا يبدون أي نوع من تأنيب الضمير، ولا ينزعجون لما يقومون به؛ بل يظهرون دائما وكأن لديهم تبريرا لما يفعلونه من سلوكيات غير أخلاقية في نظر الآخرين. وليس المنحرفون نوعا واحدا؛ فمنهم من يستغل صفاته الشخصية في تحقيق بعض الإنجازات دون اعتبار للوسائل، ومنهم من يتجه إلى إيذاء الآخرين أو تدمير نفسه أيضا، ومنهم من يتزعم مجموعة من المنحرفين أو من يفضل أن يظل تابعا ينفذ ما يخطط له الآخرون.
أسباب البلطجة..؟؟
التفكك الاجتماعي: -
تحدث الانحرافات السلوكية الناجمة عن حالات اضطراب الشخصية -وهي حالات تختلف عن الأمراض النفسية التقليدية مثل القلق والاكتئاب والفصام والوساوس- في نسبة تصل إلى 3% من الذكور، و1% من الإناث، حسب الإحصائيات العالمية في بعض المجتمعات، وتبدأ بوادر الانحراف السلوكي في مرحلة المراهقة عادة أو قبل سن الخامسة عشرة، وتحدث بصفة رئيسية في المناطق المزدحمة والعشوائية، وتزيد احتمالاتها في الأسرة كبيرة العدد، وفي المستويات الاجتماعية والتعليمية المنخفضة. ومن دراسات على أقارب المنحرفين (أو البلطجية) ثبت أن نفس الاضطراب السلوكي يوجد في أقاربهم بنسبة 5 أضعاف المعدل المعتاد، كما أن الفحص النفسي لنزلاء السجون أثبت أن 75 % ممن يرتكبون الجرائم المتكررة هم من حالات اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع أو ما يطلق عليه الشخصية السيكوباتية.
هل من علاج..؟
الوقاية التي هي خير من العلاج ويأتي ذلك بالتخلص من العوامل المساعدة على انتشار الظاهرة مثل عدم توقيع العقاب الرادع، والتباطؤ في تحقيق العدالة ..
هنا يطرح الإسلام رؤية متميزة في التعامل مع مثل هذه الحالات فهو يتعامل مع مفهوم العنف والعقاب على أنهما مفهومان منفصلان ومختلفان؛ فينبذ العنف، ويدعو إلى الرفق والعطف والتسامح ومقابلة السيئة بالحسنة؛ حيث يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن)،
وفيما يتعلق بالعنف الكلامي فالإسلام يرفضه رفضاً قاطعاً، ويطالب بعدم الاستهزاء والاستهتار بالآخرين، وهذا واضح من قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَذُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعتبر الإسلام العقاب الجسدي نوعاً من أنواع الوسائل التربوية، ويستخدم لكف سلوك غير مرغوب فيه أو لتأديب إنسان أو ردعه عن ظلم الآخرين..
فنجد أن الإسلام أجاز استخدام العقاب الرادع لحفظ المال والعرض والدين في الجماعة الاجتماعية؛ فتبدأ من الجلد والإيذاء الجسمي إلى قطع الأيدي والأرجل والرجم حتى الموت، وهذا وارد في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، لا تنكيلاً بالإنسان الذي كرمه الله بل ردعاً للجريمة وترهيباً من مغبتها؛ فقسوة العقوبة هدفها منع الجريمة لا تعذيب البشر.
فالعنف يرتبط بالعدوان، وقد نهى الله -عز وجل- عنه حيث يقول {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} والإسلام يرى أن العنف غير المبرر والذي لا يقترن بمفهوم القصاص والعدل سلوك عدائي هجومي تخريبي تدميري، تصاحبه كراهية وغضب وممارسة القوة الباطشة لشخص أو جماعة دون مرجعية قانونية أو أخلاقية.
والعنف ظلم للنفس وللآخرين، ومن الناحية الدينية يُعتبر سلوكًا آثمًا وهو أيضًا سلوك يجرمه القانون.. ومن أكثر ما يميز الشخصية العدوانية الأنانية، والتمركز حول الذات، واللامسئولية، ونقص البصيرة، والميل إلى السيطرة، والتعبير الغامض المندفع الرافض، وعدم ضبط النفس...