فاقت جرائم التعدي على الأراضي الزراعية حدود التصور ، خاصة بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 م..
فباتت تجري على
قدم وساق وتحت سمع وبصر الجهات الرقابية المخولة بحماية ما كان يعرف سابقا بـ الحزام الأخضر والذي كان بمثابة (رئة) الشعب ، وقلعة الغلال والثمار في مصر ، وبدلا من تنميتها واستثمارها تعرضت للعبث على أيدي من لا يهمهم سوى مصلحتهم الشخصية ، وبعد ذلك يبقى الشعب المصري هو الخاسر الوحيد . وأصبح اللون الأخضر مهدد بالانقراض.. لعل هذه الفرضية باتت أقرب للواقع في مصر بشكل ليس له مثيل ، حيث
تلك الحقيقة التي تؤكدها كل القري في الريف المصري .... بعد أن أصبحت غابات متحركة من الأسمنت تزحف بضراوة علي مساحات الأمل ومع صباح كل يوم تدق الأعمدة الخرسانية في قلب مصر لتنحسر المساحات الخضراء أمام الزحف الأسمنتي القادم ويبقي السؤال يتردد في الآفاق فلا يرتد غير الصدى ... إلي متي ستحتمل تلك الرقعة الصغيرة الخضراء كل هذا الاعتداء الهمجي بغير انقطاع .
♣♣♣ علما بأن وما تزال معدلات النمو السكاني في مصر مرتفعة وتفوق المعدلات العالمية ، في ظل نمو محدود للموارد الطبيعية وانخفاض مؤشرات النمو الاقتصادي بوجه عام .
ويحلوا للمسئولين ترديد أن التزايد السكاني هو السبب الرئيسي لما تعانيه مصر من مشاكل ، وهو الذي يحرمنا من جنى ثمار التنمية ، والحقيقة أن الأمر لا يتوقف عند حدود التزايد السكاني ، بل ما يفاقم الأوضاع المتردية أن هذا التزايد ينحصر في مساحة جد ضيقة من أرض الوطن بشكل يفوق قدرة هذا الحيز الضيق عن استمرار استيعاب هذا التدفق البشرى .
♣♣♣ والأمر الأكثر خطورة هو أن الموارد الطبيعية بشكل عام ، والأرض والمياه بشكل خاص ، تتعرض لقدر كبير من الفقد والتدهور عاما بعد عام بل ويوما بعد يوم ، بما يؤدى إلى نضوب هذه الموارد أو عدم صلاحيتها لاستمرار الحياة عليها في الأمد المنظور .
♣♣♣ كما تعانى مصر خاصة في السنوات الأخيرة من بعد ثورة 25 يناير 2011م من أزمة مستحكمة على جميع الأصعدة ، فالاقتصاد المصري أصبح يعانى من اضمحلال شامل لقاعدته الإنتاجية ..
فقدت الدولة هيمنتها على توجيه حركة المجتمع ..
وبالتالي فأن المجتمع والدولة في حالة افتقاد للعمل الجاد وحسن المبادرة والقدرة على تجميع الأمة وراء هدف محدد ، ويسود مناخ من التشاؤم وعدم الاكتراث جنبا إلى جنب واللجوء إلى الحلول الفردية ، مع هواجس تدور حول إصلاحات غامضة ومتناقضة ، ومشروعات غير مدروسة تنبئ بالفشل ، وهذه الإصلاحات والمشروعات تتبدل وتتغير بتغير الأشخاص ، وهناك انفصال بين العقول المفكرة وبين متخذي القرار ، ولا يتم الاستفادة من الرؤى والاطروحات التي تحاول وضع خطط أو تصورات استراتيجية للخروج من هذه الأزمات .
♣♣♣ كما أن مصر اليوم آما القوة أو الانقراض ، آما القوة وآما الموت ، فالمتغيرات أخذت تضرب في صميم الوجود المصري ، فالأرض أصبحت معرضة للتآكل الجغرافي لأول مرة في التاريخ كله وإلى الأبد ، لا تتجدد مياهها أو تربتها ، وبعد أن كانت مصر سيدة النيل ظهر لها منافسون ومطالبون ومدعون بحقوق ، رصيدها المائي اصبح ثابتا ومحدود ، بلغ سكانها ذروة غير متصورة بينما القاعدة الأرضية والمائية في ثبات أو انكماش أو انقراض بعد أن تعدى عامل السكان إمكانات الأرض ، وهو لا يتجاوز إمكاناتها فحسب وإنما يقلصها بقدر ما يتوسع إسكانا في المدن والقرى والطرق ، حتى سيأتي اليوم الذي تطرد فيه الزراعة تماما من أرض مصر ، لتصبح كلها مكان سكن ، دون مكان عمل ، أي دون زراعة ، أي دون حياة ، لتتحول كلها في النهاية من مكان سكن على مستوى الوطن إلى مقبرة بحجم دولة ، مع كل هذه الانكماشات الداخلية آتت الكوارث الخارجية بالجملة ، وأصبحت المتغيرات الداخلية تخرب المكان ، والمتغيرات الخارجية تخرب المكانة ورغم هذا القدر الكبير من النظرة التشاؤمية ، إلا أنه يعبر عن حقائق قد تكون صادمة طالما استمرت هذه الأوضاع ، ما لم تتغير في وقت قريب .
♣♣♣والمشكلات تصل إلى حد الكوارث التي تتجلى في تدنى مستوى الإنتاج الزراعي والصناعي ، وانخفاض معدل الصادرات ، واستمرار حالة الكساد التجاري وتدهور أسعار الحاصلات الزراعية ، وارتفاع معدلات البطالة ، وأتساع التلوث في الأرض والمياه والهواء ، وانتشار العشوائية في السكن والمرور وسلوكيات البشر ، وانخفاض أداء الجهاز الإداري ، وتدنى مستوى الخدمات في التعليم والصحة والنقل والمواصلات والإسكان .
♣♣♣ قد يكون السبب في كل ذلك مقدار ما تتعرض له الموارد الطبيعية خاصة من الأرض والمياه إلى تدهور وإهدار كبير ينعكس على مجمل الحياة في مصر ، وإذا استمرت هذه الحالة فسوف يستمر تدنى نوعية الحياة بصفة عامة مما يصعب معه استمرار البقاء في بر مصر .
♣♣♣ فالأرض الزراعية التي تم التعدي عليها بهدف البناء، قد بلغت مداها وخاصة بعد قيام الثورة في 25 يناير 2011م ،بسبب الانفلات الأمني وضعف الأداء الرقابي والحكومي ..
بعدما كنا نقول أن موسم الانتخابات في العهود السابقة قبل ثورة 25 يناير 2011 م .. دائما ما تشهد حالة تعدى علي الأرض الزراعية وأن ما يحدث من تعديات خلال موسم الانتخابات البرلمانية في العهود السابقة ، قد استغله هواة التعديات وسماسرة الأراضي بسبب انشغال الأجهزة التنفيذية والأمنية في الانتخابات ..
, فهو كما يسمونه موسم البناء علي الأراضي الزراعية , ينتظره لصوص الأراضي ومحترفو المتاجرة فيها وراغبون البناء والمقاولون وتجار الطوب والأسمنت والحديد , اللعبة معروفة فالمرشحون يقومون بالضغط علي الأجهزة التنفيذية للسكوت عن حالات التعدي كنوع من أنواع الرشاوى للناخبين في المعركة الانتخابية.
♣♣♣ وما أن تنتهي الانتخابات حتى يصبح البناء أمرا واقعا , ويدخل الملف دوامة القضاء الذي ينتهي في الغا لب إلي البراءة نتيجة عدم وضوح الأعمال المرتكبة ( التبوير - التشوين - البناء ) مما فتح الباب أمام المعتدين بالصورة التي نراها وذلك بسبب أسلوب الترضيات الانتخابية وإرجاء الإزالات وتدخلات المرشحين لدي المسئولين وعجز السلطات عن المواجهة , فالقانون ضعيف وغير رادع والألاعيب كثيرة .
وبالتأكيد فإن المشكلة أكبر من مجرد المواجهة الأمنية للتعديات لأنها وليدة إهمال لعقود طويلة , فالحكومات المتعاقبة لم تنتبه إلي توفير المساكن البسيطة للشباب وكانت سياستها تتجه إلي الإسكان الفاخر ولم تجد القري العناية بالزيادة السكانية لفترات..
الغريب في الأمر أن معظم المحافظات التي لها ظهير صحراوي لم تحاول أن تشجع الشباب علي البناء في الصحراء المتاخمة للقري واقتصر دورها علي الإزالة .... مع أن الإزالة بعد البناء لا تعيد الأرض الزراعية إلي طبيعتها .
♣♣♣ ومن الألاعيب التي يستخدمها المعتدون علي الأرض الزراعية هي البناء ليلا أو في أيام العطلات ( مساء الخميس ويوم الجمعة ) وكان ذلك قبل قيام ثورة 25 يناير 2011 م المصرية وأزداد ذلك بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 م بسبب ضعف الحكومة والأنظمة والأجهزة الرقابية المختلفة .. فأصبح البناء أما الجميع وفي كل الأوقات وتحت سمع وبصر الجهات الرقابية ..
رغم ما يوجد من قوانين؛ للقضاء على ظاهرة تجريف التربة الزراعية الخصبة، وكذلك للْحَِّد من ظاهرة التوسع العمراني على الأراضي الزراعية، ومن هذه القوانين:
♣♣ القانون رقم 53 لسنة 1966، الذي يُنظم استغلال الأراضي الزراعيّة.
♣♣ تعديل القانون السابق برقم 116 لسنة 1983.
♣♣ القانون رقم 2 لسنة 1985؛ لضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الممارسات الضارة، مثل: التّجْريف، والتّبْوير، والتّعدِّي على التُّربة الزراعيّة.
♣♣ القانون رقم 59 لسنة 1979، الخاصّ بالتخطيط العمراني، وتحديد حدود المدن، والحفاظ على التربة الزراعية الخصبة.
وقد باتت تلك القوانين كلها وغيرها على ورق..!!
♣♣ علما أن مناطق الإسكان غير المخطط تحصل على المرافق الأساسية مثل المياه والكهرباء، من خلال الاستخدام غير القانوني للشبكات الموجودة في المناطق الرسمية؛ مما يؤدى إلى ارتفاع الهدر في شبكات المياه والكهرباء.
♣♣ كما أن عدد كبير من الأسر الحديثة تسكن في مناطق لم تخطط مسبقاً للبناء؛ مما يعنى أن جزءاً ليس بالقليل من الشباب سوف يقطن هذه المناطق، ومع اختلاف مستويات الخدمات التعليمية بينها ومناطق الإسكان المخطط.. فقد يصعب في المستقبل تكوين ثقافة مشتركة في المجتمع.
♣♣ التخوف من ضعف القدرة على تقديم الخدمات العاجلة في مناطق الإسكان غير المخطط؛ نتيجة للضيق الشديد للشوارع، وتلاحم المباني بشكل يصعب معه وصول خدمات الإسعاف والمطافئ والأمن.
♣♣ الخوف من تشوه الوجه الحضاري للمجتمع المصري؛ نتيجة لاختلاط الأنساق المعمارية بين الحضر والريف.
♣♣ تضارب مصطنع بين مصلحة المواطن ومصلحة الوطن، على نحو أظهر المجتمع كما لو أنه يعارض مصلحة المواطن وحقوقه في السكن، ♣♣ يجب المزيد من الحزم في التعامل مع الأوضاع الحالية، قبل أن تؤدى إلى كارثة تآكل الأرض القديمة في الوادي.
فالهدر الحادث في الأرض الزراعية لا يوجد ما يبرره إلا الشعور بعدم الأمان الاجتماعي؛ مما يدفع الأفراد إلى التصرف بعشوائية،
و أنه لابد من تفعيل قواعد المنطق وتقديم حلول شاملة، تحقق محافظة حقيقية على الأرض في ضوء تفهم الحاجات الطبيعية للأفراد، ورغباتهم في السكن في الريف.
♣♣♣ إن الشعور الحقيقي بالإفقار والإهدار لثروات المجتمع، إذ تشير التقديرات إلى أن البناء غير المخطط يمثل ثروة عقارية حقيقية. وفى ظل عدم وجود سند يقنن هذه الأصول ويسمح بتداولها فإن هذه الثروة تعتبر رأسمالاً ميتاً محجوباً عن المشاركة في النشاط الاقتصادي.
كما أن نسبة كبيرة من البناء الذي تم في مصر على الأراضي الزراعية خلال العقود الأربعة الماضية تم بشكل لم يخطط له علاوة على ما تم بنائه بعد ثورة 25 يناير2011 م والذي فاق كل الخيال...
♣♣♣ إذا كيف لنا بعلاج الواقع الأليم الذي يعيش فيه الفلاح المصري، له وللأجيال القادمة بوجود مستقبل أفضل له، وصونا وحماية لحقوقه المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نصت عليها كل المواثيق والمعاهدات الدولية مثل :
♣♣ الفلاح أساس التنمية و ينبغي مشاركته بشكل أساسي في صنعها.
♣♣ حق الفلاح في مياه الري من حيث الكمية والجودة.
♣♣ منظمات إدارة المياه على مستوى القرى والمراكز والمحافظات تضمن حق الفلاحين في المياه.
♣♣ الشراكة مع دول حوض النيل في مشروعات تنموية تضمن تدفق حصة مصر السنوية من مياه نهر النيل دون عقبات وربما زيادتها في المستقبل.
♣♣ الطاقة الشمسية والطاقة النووية هما أمل مصر وبديل للوقود الملوث للبيئة، واستخدامهما لتحلية مياه البحر أو المصادر المالحة الأخرى لسد العجز المتوقع جراء التغيرات المناخية، والزيادة السكانية.
♣♣ التوسع الزراعي الأفقي في الصحراء لا يعنى نقل مياه النيل إليها، وإنما ينبغي زراعتها بمواردها المتاحة.
♣♣ الحفاظ على الأرض الزراعية القديمة واجب وطني مسؤولية الحكومة، ويمثل قضية أمن مجتمعي.
♣♣ إعادة النظر في زراعة المحاصيل الشرهة للمياه، وتطوير التركيب المحصولى ليتوافق مع مواردنا المائية المتاحة.
♣♣ إعادة النظر في التشريعات الزراعية الصادرة منذ ثلاثة عقود أو ما يزيد كونها دمرت حياة الفلاحين اقتصاديا واجتماعيا.
♣♣ الحفاظ على كرامة ومكانة الفلاح في إطار منظومة القيم الثقافية السائدة في المجتمع.
♣♣ التعاونيات الزراعية قطاع داعم ورئيسي للفلاحين في كل مجالات العملية الإنتاجية الزراعية.
♣♣ ينبغي على الحكومة أن ترفع قبضتها الأمنية وسيطرتها الفعلية على التعاونيات الزراعية.
♣♣ ضرورة إعادة النظر في كل التشريعات سيئة السمعة التي كبلت حركة التعاونيات الزراعية وجمدتها وحبستها داخل جدران آيلة للسقوط.
♣♣ والسؤال الذي يطرح نفسه إلى متى تظل القرية المصرية وخاص قرى صعيد مصر مهملة ومهمشة وهنالك ناقوس خطر يدق بالفعل ..
وقد تكون تلك القرى تكاد أن تكون قنابل موقوتة تقترب من الانفجار..؟؟