◘◘◘ الرَّحْمَة من الأَخلاق المحمودة ◘◘◘
◘◘◘ معنى الرَّحْمَة ◘◘◘
الرحمة: من رحمة يرحمه، رحمة ومرحمة، إذا رقَّ له، وتعطف عليه، وأصل هذه المادة يدلُّ على الرقة والعطف والرأفة، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضًا.
ومنها الرَّحِم: وهي عَلاقة القرابة.
وقد تطلق الرَّحْمَة، ويراد بها ما تقع به الرَّحْمَة، كإطلاق الرَّحْمَة على الرِّزق والغيث .
(الرَّحْمَة رقَّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارةً في الرِّقَّة المجرَّدة، وتارة في الإحسان المجرَّد عن الرِّقَّة) .
وقيل: (هي رِقَّة في النفس، تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه) .
وقيل: هي (رِقَّة في القلب، يلامسها الألم حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس، أو يتصور الفكر وجود الألم عند شخص آخر، أو يلامسها السُّرور حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس أو يتصور الفكر وجود المسرة عند شخص ..
◘◘◘ الفرق بين الرَّحْمَة والرَّأفة ◘◘◘
قال ابن عاشور: (والرَّأفة: رِقَّة تنشأ عند حدوث ضر بالمرؤوف به. يقال: رؤوفٌ رحيم. والرَّحْمَة: رقَّة تقتضي الإحسان للمرحوم، بينهما عمومٌ وخصوص مطلق) .
وقيل أن: (الفرق بين الرَّأفة والرَّحْمَة: أنَّ الرَّأفة مبالغة في رحمة خاصة، وهي دفع المكروه وإزالة الضَّرر، كقوله: وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2] أي: لا ترأفوا بهما فترفعوا الجلد عنهما، وأمَّا الرَّحْمَة فإنَّها اسم جامع، يدخل فيه ذلك المعنى، ويدخل فيه الانفصال والإنعام) .
وقيل أن (الرَّحْمَة هي أن يوصل إليك المسار، والرَّأفة هي أن يدفع عنك المضار... فالرَّحْمَة من باب التزكية، والرَّأفة من باب التَّخلية، والرَّأفة مبالغة في رحمة مخصوصة، هي رفع المكروه وإزالة الضر، فذكر الرَّحْمَة بعدها في القرآن مطردًا لتكون أعم وأشمل) .
وقيل: (الرَّأفة أشد من الرَّحْمَة)، وقيل: (الرَّحْمَة أكثر من الرَّأفة، والرَّأفة أقوى منها في الكيفية؛ لأنَّها عبارة عن إيصال النِّعم صافية عن الألم) .
◘◘◘ الرَّحْمَة في القرآن الكريم ◘◘◘
ذكر الله هذه الصفة العظيمة في كتابه الكريم، إمَّا في معرض تسميه واتصافه بها، أو في معرض الامتنان على العباد بما يسبغه عليهم من آثارها، أو تذكيرهم بسعتها، أو من باب المدح والثناء للمتصفين بها المتحلِّين بمعانيها، أو غير ذلك من السياقات، ومن ذلك:
♦♦♦ تَسمِّيه جلَّ وعلا باسم الرَّحمن والرَّحيم، واتصافه بصفة الرَّحْمَة
وهذا كثير جدًّا في القرآن، نذكر منه على سبيل المثال لا الحصر:
قوله تعالى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 3]، فقد سمى الله نفسه بهذين الاسمين المشتملين على صفة الرَّحْمَة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة) .
♦♦♦ ومن ذلك أنَّ الله جعل هذه الصفة لصفوة خلقه، وخيرة عباده، وهم الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من المصلحين، فقد قال الله تعالى ممتنًا على رسوله صلى الله عليه وسلم على ما ألقاه في قلبه من فيوض الرَّحْمَة، جعلته يلين للمؤمنين، ويرحمهم ويعفو عنهم، ويتجاوز عن أخطائهم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران: 159].
أي: فبسبب رحمة من الله أودعها الله في قلبك يا محمد، كنت هيِّنًا، لين الجانب مع أصحابك، مع أنهم خالفوا أمرك وعصوك .
♦♦♦ ومن ذلك ثناء الله على المتَّصفين بالرَّحْمَة والمتخلِّقين بها، فقد قال تعالى واصفًا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الذين معه: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، فهم أشدَّاء على الكفار، رحماء بينهم، بحسب ما يقتضيه منهم إيمانهم، فالإيمان بالله واليوم الآخر متى تغلغل في القلب حقًّا، غرس فيه الرَّحْمَة بمقدار قوته وتغلغله .
♦♦♦ وقال تعالى: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد: 11 – 18].
قال محمد الطاهر بن عاشور: (خصَّ بالذِّكر من أوصاف المؤمنين، تواصيهم بالصَّبر، وتواصيهم بالمرحمة، لأنَّ ذلك أشرف صفاتهم بعد الإيمان، فإنَّ الصَّبر ملاك الأعمال الصَّالحة كلِّها؛ لأنَّها لا تخلو من كبح الشَّهوة النَّفسانيَّة وذلك من الصَّبر. والمرحمة، ملاك صلاح الجماعة الإسلاميَّة قال تعالى: رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، والتَّواصي بالرَّحمة فضيلة عظيمة، وهو أيضًا كناية عن اتِّصافهم بالمرحمة، لأنَّ من يوصي بالمرحمة هو الذي عرف قدرها وفضلها، فهو يفعلها قبل أن يوصي بها) .
◘◘◘ الرَّحْمَة في السُّنَّة النَّبويَّة◘◘◘
أما السُّنَّة فقد استفاضت نصوصها الداعية إلى الرَّحْمَة، الحاثَّة عليها، المرغِّبة فيها إمَّا نصًّا أو مفهومًا، كيف لا وصاحبها صلى الله عليه وسلم هو نبي الرَّحْمَة كما وصف نفسه فقال: (أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرَّحْمَة) .
♦♦♦ فعن النُّعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادِّهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضوًا، تداعى له سائر جسده بالسَّهر والحمَّى) .
يقول النووي معلقًا على هذا الحديث: (هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثِّهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد، في غير إثم ولا مكروه) .
وقال ابن أبي جمرة: (الذي يظهر أنَّ التَّراحم، والتوادد، والتعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف، فأما التَّراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان، لا بسبب شيء آخر، وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة، كالتزاور والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضًا، كما يعطف الثوب عليه ليقويه) اهـ ملخصًا.
♦♦♦ وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: (جاء أعرابيٌّ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبِّلون الصِّبيان فما نقبِّلهم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرَّحْمَة؟) .
قال ابن بطال: (رحمة الولد الصغير، ومعانقته، وتقبيله، والرفق به، من الأعمال التي يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله عليه السلام للأقرع بن حابس حين ذكر عند النَّبي صلى الله عليه وسلم أن له عشرة من الولد ما قبل منهم أحدًا: (من لا يرحم لا يرحم) ؟ .
♦♦♦ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السَّماء) .
قال شمس الدين السفيري: (فندب صلى الله عليه وسلم إلى الرَّحْمَة، والعطف على جميع الخلق من جميع الحيوانات، على اختلاف أنواعها في غير حديث، وأشرفها الآدمي، وإذا كان كافرًا، فكن رحيمًا لنفسك ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذَّليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب النَّاس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه، والرَّحْمَة على عباده، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره، وهول موقفه، وأظله بظله إذ كل ذلك من رحمته) .
♦♦♦ وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنزع الرَّحْمَة إلَّا من شقيٍّ) .
قال ابن العربي: (حقيقة الرَّحْمَة إرادة المنفعة، وإذا ذهبت إرادتها من قلب شقي بإرادة المكروه لغيره، ذهب عنه الإيمان والإسلام) .
ويقول المناوي: (لأنَّ الرَّحْمَة في الخلق رقة القلب، ورقته علامة الإيمان، ومن لا رأفة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا رحمة عنده شقي) .
♦♦♦ وعن جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم النَّاس) .
يقول السعدي: (رحمة العبد للخلق من أكبر الأسباب التي تنال بها رحمة الله، التي من آثارها خيرات الدنيا، وخيرات الآخرة، وفقدها من أكبر القواطع والموانع لرحمة الله، والعبد في غاية الضرورة والافتقار إلى رحمة الله، لا يستغني عنها طرفة عين، وكل ما هو فيه من النِّعم واندفاع النقم، من رحمة الله.
فمتى أراد أن يستبقيها ويستزيد منها، فليعمل جميع الأسباب التي تنال بها رحمته، وتجتمع كلها في قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56]، وهم المحسنون في عبادة الله، المحسنون إلى عباد الله. والإحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بهم) .
أما من كان بعيدًا عن الإحسان بالخلق، ظلومًا غشومًا، شقيًّا، فهذا لا ينبغي له أن يطمع في رحمة الله وهو متلبس بظلم عباده.
♦♦♦ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التَّميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال: من لا يَرحم لا يُرحم) .
واستفاضت الأحاديث الدالة على الرَّحْمَة بمفهومها وهي لا تكاد تحصى؛ وذلك لأنَّه ما من معاملة من المعاملات، أو رابطة من الروابط الاجتماعية أو الإنسانية، إلا وأساسها وقوام أمرها الرَّحْمَة.
فمن علاقة الإنسان بنفسه التي بين جنبيه، وعلاقته بذويه وأهله، إلى علاقته بمجتمعه المحيط به، إلى معاملته لجميع خلق الله من إنسان أو حيوان، كل ذلك مبني على هذا الخلق الرفيع، والسَّجيَّة العظيمة.
◘◘◘ فوائد الرَّحْمَة ◘◘◘
للتحلي بخلق الرَّحْمَة فوائد عظيمة وثمار جليلة، فما أن يتحلى المؤمن بهذه الحلية، ويتجمَّل بهذه السَّجيَّة حتى تظهر آثارها وتؤتي أكلها.. ليس عليه فقط، بل عليه وعلى من حوله..
♦♦♦أنَّها سبب للتعرض لرحمة الله، فأهلها مخصوصون برحمته جزاء لرحمتهم بخلقه.
♦♦♦ محبة الله للعبد، ومن ثم محبة النَّاس له.
♦♦♦ ومن أعظم فوائدها، أنَّ المتحلي بها يتحلى بخلق تحلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
♦♦♦أنها ركيزة عظيمة، ينبني عليها مجتمع مسلم متماسك يحس بعضه ببعض، ويعطف بعضه على بعض، ويرحم بعضه بعضًا.
♦♦♦ أنها تشعر المرء بصدق انتمائه للمجتمع المسلم، فمن لا يرحم لا يستحق أن يكون فردًا في المجتمع أو جزءًا منه؛ لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا) .
♦♦♦أنه على قدر حظ الإنسان من الرَّحْمَة، تكون درجته عند الله تبارك وتعالى، وقد كان الأنبياء أشدَّ النَّاس رحمة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أوفرهم حظًّا منها.
♦♦♦أنها سبب لمغفرة الله تبارك وتعالى وكريم عفوه، كما أنَّ نقيضها سبب في سخطه وعذابه.
♦♦♦ ومن أعظم فوائدها أنَّها خلق متعدٍّ إلى جميع خلق الله.
♦♦♦ أنها سبب للالتفات إلى ضعفة المجتمع؛ من الفقراء، والمساكين، والأرامل، والأيتام، والكبار، والعجزة، وغيرهم.
◘◘◘ أقسام الرَّحْمَة من حيث المدح والذم ◘◘◘
إن خلق الرَّحْمَة منه ما هو محمود - وهو الأصل - ومنه ما هو مذموم.
♦♦♦ وأما المذموم: فهو ما حصل بسببه تعطيل لشرع الله، أو تهاون في تطبيق حدوده وأوامره، كمن يشفق على من ارتكب جرمًا يستحق به حدًّا، فيحاول إقالته والعفو عنه، ويحسب أنَّ ذلك من رحمة الخلق وهو ليس من الرَّحْمَة في شيء، بل الرَّحْمَة هي إقامة الحد على المذنب، والرَّأفة هي زجره عن غيِّه وردُّه عن بغيه بتطبيق حكم الله فيه، قال ابن تيمية: (إنَّ العقوبات الشَّرعيَّة كلَّها أدوية نافعة، يصلح اللَّه بها مرض القلوب، وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم، الدَّاخلة في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، فمن ترك هذه الرَّحمة النَّافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الَّذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلَّا الخير إذ هو في ذلك جاهل أحمق) .
♦♦♦لذا نهى الله تعالى المؤمنين عن أن تأخذهم رأفة أو رحمة في تطبيق حدود الله وإقامة شرعه فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور: 2].
قال ابن تيمية: (إنَّ دين الله هو طاعته، وطاعة رسوله، المبني على محبَّته ومحبَّة رسوله، وأن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما؛ فإنَّ الرَّأفة والرَّحمة يحبُّهما اللَّه ما لم تكن مضيِّعةً لدين الله) .
♦♦♦ ومن الرَّحْمَة المذمومة، ما يكون سببًا في فساد المرحوم وهلاكه، كما يفعل كثير من الآباء من ترك تربية الأبناء وتأديبهم، وعقوبتهم رحمة بهم، وعطفًا عليهم، فيتسببون في فسادهم وهلاكهم وهم لا يشعرون. قال ابن تيمية: (ما يفعله بعض النِّساء والرِّجال الجهَّال بمرضاهم، وبمن يربُّونه من أولادهم، وغلمانهم، وغيرهم، في ترك تأديبهم وعقوبتهم، على ما يأتونه من الشَّرِّ ويتركونه من الخير رأفةً بهم، فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم) .
♦♦♦ وقال ابن القيم: (إنَّ الرَّحْمَة، صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقَّت عليها، فهذه هي الرَّحْمَة الحقيقية، فأرحم النَّاس بك من شقَّ عليك في إيصال مصالحك ودفع المضار عنك، فمن رحمة الأب بولده: أن يكرهه على التأدب بالعلم والعمل، ويشق عليه في ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنَّه يرحمه، ويرفهه، ويريحه، فهذه رحمة مقرونة بجهل كرحمة الأم) .
◘◘◘ الرَّحْمَة من حيث الغريزة والاكتساب ◘◘◘
قال عبد الرحمن السعدي: (والرَّحْمَة التي يتصف بها العبد نوعان:
♦♦♦ رحمة غريزيَّة، قد جبل الله بعض العباد عليها، وجعل في قلوبهم الرَّأفة والرَّحْمَة والحنان على الخلق، ففعلوا بمقتضى هذه الرَّحْمَة، جميع ما يقدرون عليه من نفعهم، بحسب استطاعتهم، فهم محمودون، مثابون على ما قاموا به، معذورون على ما عجزوا عنه، وربما كتب الله لهم بنياتهم الصادقة ما عجزت عنه قواهم.
♦♦♦ رحمة يكتسبها العبد بسلوكه كل طريق ووسيلة، تجعل قلبه على هذا الوصف، فيعلم العبد أنَّ هذا الوصف من أجلِّ مكارم الأخلاق وأكملها، فيجاهد نفسه على الاتصاف به، ويعلم ما رتب الله عليه من الثواب، وما في فواته من حرمان الثواب؛ فيرغب في فضل ربه، ويسعى بالسبب الذي ينال به ذلك، ويعلم أنَّ الجزاء من جنس العمل، ويعلم أنَّ الأخوَّة الدينية والمحبة الإيمانية، قد عقدها الله وربطها بين المؤمنين، وأمرهم أن يكونوا إخوانًا متحابين، وأن ينبذوا كل ما ينافي ذلك من البغضاء، والعداوات، والتدابر) .
◘◘◘ صور الرَّحْمَة ◘◘◘
♦♦♦ شفقة الإمام برعيته، وتجنب ما من شأنه أن يجلب المشقة عليهم:
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أعتم النَّبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، حتَّى ذهب عامَّة اللَّيل، وحتَّى نام أهل المسجد، ثُمَّ خرج فصلَّى، فقال: إنَّه لوقتها، لولا أن أشقَّ على أمَّتي) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم للنَّاس فليخفِّف، فإنَّ في النَّاس الضَّعيف والسَّقيم وذا الحاجة) .
♦♦♦ التوسط في العبادات وترك ما يشق على النفس
عن عائشة رضي الله عنها: (أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، قال: من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملُّ الله حتى تملوا، وكان أحب الدِّين إليه ما داوم عليه صاحبه) .
♦♦♦ البر بالوالدين.. وخفض جناح الذُّل من الرَّحْمَة لهما
عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: (سألت النَّبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحبُّ إلى اللّه عزَّ وجلَّ؟ قال: الصَّلاة على وقتها. قال: ثُمَّ أي؟ قال: برُّ الوالدين. قال: ثُمَّ أي..؟ قال: الجهاد في سبيل الله) .
- عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هجرت الشِّرك ولكنَّه الجهاد. هل باليمن أبواك؟ قال: نعم. قال: أَذِنا لك؟ قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى أبويك فإن فعلا، وإلَّا فبرهما) .
♦♦♦ الوصية بالمرأة خيرًا والإحسان إليها
قال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنَّهن عوانٍ عندكم، أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله) .
♦♦♦ الشفقة على الأبناء، والعطف والحزن عليهم، إذا أصابهم مكروه:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابيٌّ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبِّلون الصِّبيان فما نقبِّلهم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرَّحْمَة؟) .
وعن أسامة بن زيد رضي اللّه عنهما قال: أَرسلت ابنة النَّبي صلى الله عليه وسلم إليه: إنَّ ابنًا لي قبض، فأتنا. فأرسل يقرأ السَّلام ويقول: (إنَّ للَّه ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمَّى. فلتصبر ولتحتسب. فأرسلت إليه تُقسم عليه ليأتينَّها. فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبيُّ ابن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال، فرُفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّبيُّ ونفسه تتقعقع ، قال حسبته أنَّه قال: كأنَّها شنٌّ، ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنَّما يرحم الله من عباده الرَّحماء) .
♦♦♦ الرَّحْمَة بمن هم تحت سلطانه، من العبيد، والخدم، والعمال، وغيرهم:
عن المعرور بن سويد رحمه الله تعالى قال: لقيت أبا ذرٍّ بالرَّبذة وعليه حلَّة ، وعلى غلامه حلَّة، فسألته عن ذلك فقال: إنِّي ساببت رجلًا فعيَّرته بأمِّه، فقال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر أعيَّرته بأمِّه؟ إنَّك امرؤ فيك جاهليَّة، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممَّا يأكل، وليلبسه ممَّا يلبس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم) .
♦♦♦ الأمر بإحسان القِتلة والذبحة
عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه أنَّه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) .
♦♦♦ النهي عن تعذيب الحيوان أو إخافته أو إجهاده أو إجاعته
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النَّار في هرَّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) .
وعلى نقيض هذه الصورة، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة أخرى، لامرأة غفر الله لها ذنبها بسبب كلب:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما كلب يطيف بركيَّة كاد يقتله العطش، إذْ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته، فغفر لها به) .
قال السعدي معلقًا على هذين الحديثين: (ومن ذلك ما هو مشاهد مجرب، أنَّ من أحسن إلى بهائمه بالإطعام، والسقي، والملاحظة النافعة، أنَّ الله يبارك له فيها، ومن أساء إليها، عوقب في الدنيا قبل الآخرة، وقال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32]، وذلك لما في قلب الأول من القسوة، والغلظة، والشر، وما في قلب الآخر من الرَّحْمَة والرقة والرَّأفة، إذ هو بصدد إحياء كل من له قدرة على إحيائه من النَّاس، كما أنَّ ما في قلب الأول من القسوة، مستعد لقتل النفوس كلها) .
◘◘◘ الأسباب المعينة على التخلق بخلق الرَّحْمَة ◘◘◘
قال السعدي: (فلا يزال العبد يتعرف الأسباب التي يدرك بها هذا الوصف الجليل، ويجتهد في التحقق به، حتى يمتلئ قلبه من الرَّحْمَة، والحنان على الخلق. ويا حبذا هذا الخلق الفاضل، والوصف الجليل الكامل، وهذه الرَّحْمَة التي في القلوب، تظهر آثارها على الجوارح واللسان، في السعي في إيصال البر، والخير، والمنافع إلى النَّاس، وإزالة الأضرار والمكاره عنهم) .
بعض الأسباب المعينة على التخلق بهذا الخلق الكريم:
♦♦♦القراءة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتدبر في معالمها، والتأسِّي به في مواقف رحمته صلى الله عليه وسلم.
♦♦♦ مجالسة الرحماء ومخالطتهم، والابتعاد عن ذوي الغلظة والفظاظة، فالمرء يكتسب من جلسائه طباعهم وأخلاقهم.
♦♦♦تربية الأبناء على هذا الخلق العظيم، ومحاولة غرسه في قلوبهم، ومتى نشأ الناشئ على الرَّحْمَة ثبتت في قلبه وأصبحت سجيَّة له بإذن الله.
♦♦♦ معرفة جزاء الرحماء وثوابهم، وأنهم هم الجديرون برحمة الله دون غيرهم، ومعرفة عقوبة الله لأصحاب القلوب القاسية؛ فإنَّ هذا مما يدفع للتخلق بصفة الرحمة، ويردع عن القسوة.
♦♦♦معرفة الآثار المترتبة على التحلي بهذا الخلق، والثمار التي يجنيها الرحماء في الدنيا قبل الآخرة.
♦♦♦ الاختلاط بالضعفاء، والمساكين، وذوي الحاجة؛ فإنَّه ممَّا يرقِّق القلب، ويدعو إلى الرَّحْمَة والشفقة بهؤلاء وغيرهم.
نماذج من رحمة النَّبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى واصفًا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة: 128].
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم النَّاس بالنَّاس وأرأفهم بهم؛ المؤمنين ومن لم يكن يدين بدين الإسلام أصلًا، بل إنَّ رحمته صلى الله عليه وسلم تعدت ذلك إلى الحيوان، والجماد ..
◘◘◘ رحمته صلى الله عليه وسلم بالكفَّار◘◘◘
♦♦♦ عن عائشة رضي اللّه عنها زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد..؟
قال: (لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت. وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلَّا وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا) .
قال ابن حجر: (في هذا الحديث بيان شفقة النَّبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران: 159]، وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107]) .
◘◘◘ رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان ◘◘◘
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من النَّاس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفًا أو حائش نخل، قال: فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النَّبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه، فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه) .
♦♦♦عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار) .
◘◘◘ رحمته صلى الله عليه وسلم بالجماد ◘◘◘
♦♦♦ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال: إن شئتم. فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النَّبي صلى الله عليه وسلم فضمَّه إليه ، تئنُّ أنين الصبي الذي يسكن، قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) .
نماذج من رحمة الصحابة رضوان الله عليهم
سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهجه، واقتدوا به في التمسك بهذا الخلق الكريم، حتى صار الرجل المعروف بشدته، وصرامته، هيِّنًا ليِّنًا، رحيمًا رؤوفًا.
◘◘◘ رحمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه◘◘◘
♦♦♦فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عرف بشدَّته، وقوَّته، تغير الرَّحْمَة من طباعه، فيصبح رقيقًا يمتلأ قلبه رحمةً، ويفيض فؤاده شفقةً، ومما يدل على ذلك قوله لعبد الرحمن بن عوف حينما أتاه يكلمه في أن يلين لهم لأنَّه أخاف النَّاس حتى خاف الأبكار في خدورهن، فقال: (إني لا أجد لهم إلَّا ذلك، والله لو أنهم يعلمون ما لهم عندي، من الرَّأفة، والرَّحْمَة، والشفقة، لأخذوا ثوبي عن عاتقي) .
♦♦♦ ورآه عيينة بن حصن يومًا يقبل أحد أبنائه، وقد وضعه في حجره وهو يحنو عليه، فقال عيينة: أتُقبِّل وأنت أمير المؤمنين..؟
لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولدًا. فقال عمر: الله، الله حتى استحلفه ثلاثًا، فقال عمر: فما أصنع إن كان الله نزع الرَّحْمَة من قلبك؟ إنَّ الله إنَّما يرحم من عباده الرُّحماء .
♦♦♦ واشتهى الحوت يومًا، فقال: لقد خطر على قلبي شهوة الطري من حيتان، فخرج يرفأ، في طلب الحوت لعمر رضي الله عنه، ورحل راحلته، فسار ليلتين مدبرًا، وليلتين مقبلًا، واشترى مكتلًا، وجاء بالحوت، ثم غسل يرفأ الدابة، فنظر إليها عمر فرأى عرقًا تحت أذنها، فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوقه عمر، عليك بمكتلك .
(ومرَّ رضي الله عنه براهب فوقف ونودي بالراهب فقيل له: هذا أمير المؤمنين، فاطَّلَع فإذا إنسان به من الضر والاجتهاد وترْكِ الدنيا، فلمَّا رآه عمر بكى، فقيل له: إنَّه نصراني، فقال عمر: قد علمت ولكني رحمته، ذكرت قول الله عزَّ وجلَّ: عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية: 3- 4] رحمتُ نصبَه واجتهاده وهو في النَّار) .
♦♦♦ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار) .
♦♦♦وهذا أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه من رحمته أنه كان له جفنة من ثريد، غدوة، وجفنة عشية، للأرامل واليتامى والمساكين .
◘◘◘ رحمة عمر بن عبد العزيز رحمه الله◘◘◘
(كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى حيَّان بمصر: إنَّه بلغني أنَّ بمصر إبلًا نقالات، يحمل على البعير منها ألف رطل، فإذا أتاك كتابي هذا، فلا أعرفنَّ أنَّه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل، وكتب إلى صاحب السكك أن لا يحملوا أحدًا بلجام ثقيل من هذه الرستنية، ولا ينخس بمقرعة في أسفلها حديدة) .