هلك المتنطعون.. !!
◘◘◘ ما معنى التنطع في الإسلام ..؟
◘◘◘ وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ؟
◘◘◘ الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا ) رواه مسلم .
◘◘◘ التنطع : هو مجاوزة الحد والتعمق الزائد بغير حاجة إليه
مأخوذ من النطع ، وهو الغار الأعلى في الفم حيث موقع اللسان من الحنك
واستعمل في كل تعمق سواء أكان في القول أو العمل .
لهذا قد يقال :
تنطع في الطعام , بمعني بالغ فيه وتكلف .
وتنطع في الكلام , بمعني تفصح فيه وتعمق.
وللعلماء في تفسير ( التنطع ) و ( المتنطعين ) عبارات كثيرة ، تتوافق ولا تتعارض
كلها تجتمع في معنى واحد ، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح .
ومن هذه المعاني :
♣♣ الغلو في العبادة والمعاملة ، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة ، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة ، ونهت عن التشدد في الدين ، وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد .
يقول النووي في (شرح مسلم) (أي : المتعمقون ، الغالون ، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم ).
♣♣ الابتداع في الدين ، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
◘◘◘ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في (مجموع الفتاوى)
(الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( هلك المتنطعون ) ، وقال : ( لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم ، وأن يقوم قائما ولا يجلس ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروه فليجلس ، وليستظل ، وليتكلم ، وليتم صومه ) رواه البخاري .
♣♣التقعر في الكلام ، والتشدق باللسان ، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه ، حيث لا معنى ولا مضمون ، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره .
فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة ( الغيبة والنميمة )
وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ ) رواه أيضا أحمد في (المسند) (1/22) وحسنه محققو المسند .
وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان ) .
◘◘◘ قال ابن الأثير في (النهاية)
(المُتَنَطِّعون : هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام ، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم . مأخوذ من النِّطَع ، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم ، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا ).
♣♣ الخوض فيما لا يعني ، والسؤال عما لا ينبغي ، وتكلف البحث فيما لا يغني .
قال الخطابي :
(المتنطع : المتعمق في الشيء ، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم ، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم ) .
ويقول ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) .
(المتنطع : هو المتعمق ، البحاث عما لا يعنيه ؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات ، قد يوجب اعتقاد تحريمه ، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات ، فقبول العافية فيه ، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة ، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها.
◘◘◘ قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين) .
كذلك أيضاً من التشديد في العبادة ، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه ، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك .
◘◘◘ أما التنطع في الاستدلال فهو: طريقة أهل الكلام وأهل المنطق الذين عدلوا عن الاستدلال بالكتاب والسنّة إلى الاستدلال بقواعد المنطق، ومصطلحات المتكلمين.
والمنطق هذا من أين جاء؟، وقواعد المنطق من أين جاءت؟، جاءت من اليونان، استجلبوها واستعملوها في الإسلام، وتركوا الاستدلال بالكتاب والسنّة، وقالوا: إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين، وإنما الذي يفيد اليقين هو الأدلة العقلية - بزعمهم-، فبذلك هلكوا.
الواجب أن يكون الاستدلال بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنّة وإجماع المسلمين والقياس الصحيح كما عليه علماء أهل السنّة والجماعة، ولهذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في القبائل، وأن يقال: هذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنّة واشتغل بعلم الكلام).
◘◘◘ روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هلك المتنطّعون) قالها ثلاثاً.
المتنطعون: جمع متنطع، وأصل التنطع هو التقعّر في الكلام إظهاراً للفصاحة، هذا هو أصل التنطع في اللغة. والمراد هنا: التنطع في الكلام، والتنطع في الاستدلال، والتنطع في العبادة.
◘◘◘ والتنطع في الكلام معناه: أن يتكلم الإنسان بالكلمات الغريبة من اللغة التي لا يفهمها الناس، فيأتي بأسلوب وألفاظ من وحشي اللغة لا يعرفها النّاس.
◘◘◘ وكذلك من التنطع في الكلام: أن يخاطب الحاضرين بأشياء لا يفهمونها، فالنّاس بحاجة إلى أن يبيّن لهم عقيدتهم وعبادتهم وطهارتهم ومعاملاتهم، ثمّ يذهب يتكلم في أشياء بعيدة عنهم، بل بعيدة من مجتمعهم، يتكلم في أمور السياسة، والأمور البعيدة، وأمور الدول، والأمور وسائل الإعلام، وأمور بعيدة، العوام لا يعرفون منها شيئاً، ولا يستفيدون منها شيئاً، ويخرجون من عنده بجهلهم، لا يعرفون أمور دينهم، بل منهم من لا يعرف كيف يصلي، منهم من لا يعرف كيف يتوضأ، ومنهم من لا يعرف كيف يغتسل من الجنابة، فيخرجون بجهلهم، وما انتفعوا بهذا الكلام البعيد الغريب عن أسماعهم.. هذا من التنطع.
◘◘◘ أما التنطع في العبادة فهو كما سلف، هو: أن يزيد الإنسان في العبادة على الحد المشروع، وهذه رهبانية النصارى، أما الحد المشروع فهو كما قال صلى الله عليه وسلم: (أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، ومن رغب عن سنتي فليس مني) هذا هو الاعتدال، وأما التبتّل وعدم التزوج، والصيام دائماً ولا يُفطر، والصلاة كل الليل ولا ينام، هذا كله من الغلو ومن التنطع الذي يَهْلك صاحبه كما هلكت النصارى في رهبانيتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم حذّر من الغلو، وحذّر من رهبانية النصارى، وأمر بالاعتدال والتوسط، وقال: (هذا الدين متين، ولن يشاد الدين أحد إلاّ غلبه،{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا}، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المنبتّ لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى) والمنبت هو: الذي يكلّف نفسه بالسير ولا يستريح ولا يريح راحلته، هذا ينبت، يعني: ينقطع وتموت راحلته، ويقف في وسط الطريق: (فلا ظهراً أبقى) لأن راحلته ماتت، ولا أرضاً قطع لأن المسافة باقية. أما لو أخذ الطريق على مراحل، وشيئاً فشيئاً، وأراح نفسه، وأراح راحلته لقطع الطريق، وبلغ المقصود ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أوغلوا فيه برفق).
فالحاصل؛ أن التنطع في العبادة هو: الزيادة فيها عن الحد المشروع، والمطلوب أن الإنسان يتوسط في العبادة من غير زيادة، ومن غير نقصان.
◘◘◘ وغرض المتكلم أن يبيّن للناس أنه فاهم، وأنه مثقّف ولو على حساب الحاضرين، ولو ما فهموا، ولو ما عرفوا شيئاً.
◘◘◘ أما الذي يريد أن يُظهر نفسه على حساب الناس، فهذا هو المتنطع، وهذا لا يفيد شيئاً، ويَخرج كما دخل من غير فائدة.
فعلينا أن نتنبّه لذلك، لئلا نكون من المتنطعين في الكلام.
وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: (حدثوا النّاس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله.؟).
◘◘◘ وقد عرفهم العلماء بأنهم المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم، وقيل: هم الذين يغالون بعبادتهم حتى يخرجوا عن حدود الشريعة.. وقيل: المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد.. وكلها تعريفات مقاربة لبعضها كما نرى.
◘◘◘ انظر إلى قصة بني إسرائيل حين قتلوا قتيلا فادارؤا فيه وتنازعوا حتى كادت الفتنة أن تسود بينهم فقال لهم موسى عليه الصلاة والسلام إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً يعني وتأخذوا جزءا منها فتضربوا به القتيل فيخبركم من الذي قتله فقالوا له أتتخذنا هزوا لو أنهم استسلموا وسلموا لأمر الله وذبحوا أي بقرة كانت لحصل مقصودهم لكنهم تعنتوا فهلكوا قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ثم قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ثم قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي وما عملها وبعد أن شدد عليهم ذبحوها وما كادوا يفعلون .
◘◘◘ كذلك أيضا من التشديد في العبادة أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله عليه فهو هالك ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى ولا سيما في رمضان حيث يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض ويحتاج إلى الأكل والشرب ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائما فهذا أيضا نقول إنه ينطبق عليه الحديث هلك المتنطعون .
◘◘◘ ومن ذلك أيضا ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء حيث تجده مثلا يتوضأ ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو سبعا أو أكثر وهو في عافية من ذلك يذكر أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يتوضأ فإذا وجهة الأرض التي تحته ليس فيها إلا نقط من الماء من قلة ما يستعمل من الماء وبعض الناس تجده يشدد في الماء فيشدد الله عليه فإنه إذا استرسل مع هذا الوساوس ما كفاه أربع أو خمس ولا ست ولا أكثر من ذلك فيسترسل معه الشيطان حتى يخرج عن طوره . أيضا في الاغتسال من الجنابة تجد البعض يتعب تعبا عظيما عند الاغتسال في إدخال الماء في أذنيه وفي إدخال الماء في منخريه وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث.
◘◘◘ روى أبو داوود والترمذي وحسنه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تخلل البقرة وعن جابر رضي الله عنه- أن رسول الله قال: إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا( يوم القيامة احاسنكم أخلاقا) وأبغضكم إلي وأبعدكم عني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون والثرثار هو كثير الكلام تكلفا( والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بمليء شدقه تفاصحا وتعظيما) لكلامه والمتفيهق أصله من الفهق: وهو الامتلاء وهو الذي يملاء فاه بالكلام ويتوسع به تكبرا وارتفاعا( وإظهارا) للفضيلة على غيره.
♦♦♦ أهم أدوار الإمام ♦♦♦
أن يستميل قلوب الناس ويحب الناس ويحببهم فيه ولا يتم ذلك إلا بسلوك طرائق الرفق والحكمة واللين وعلى الإمام الخطيب أن يخاطب الناس بما ينفعهم جميعا في دينهم ودنياهم وبما يجتمعون عليه ويُجمعون وأن يتجنب إثارة الحزازات والنعرات وأن لا يفرض على الناس رأيه ورؤيته، إذا أتى بأمر ما فعليه أن يكون سقفه هو الدليل من كتاب الله وسنة رسول الله وهما أي الكتاب والسنة لا خلاف عليهما وحتى إذا أراد الإمام الخطيب إثارة موضوع ما له علاقة بحياة الناس في أي ميدان من الميادين فعليه أن يتجنب التعيين بتوجيه الخطاب لأشخاص وهيئات بعينها لأن التعيين بدعة وهذا كان هدي الرسول إذا أراد توجيه خطاب أو إشارة إلى أحد ما كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا فكل ما يثير الشقاق والخلاف بين المسلمين على الإمام الخطيب أن يتجنبه وينأى بنفسه عنه لأنه في الختام كل الحاضرين مسلمون ولا خلاف على ذلك.
♦♦♦ حقيقةً ♦♦♦
أن بعض الناس أصبحت تصرفاتهم مخزية
فيجب على الشخص الفهم المتعمق والصحيح للنصوص القرآنية ,
لأن بعض الناس قد يستدل بالقرآن و بالسُنّة ولكنه يضع النصوص في غير موضعها.
◘◘◘ فالإسلام دين الرحمة والرأفة دين السماحة واليسر ، ولم يكلف الله هذه الأمة إلا بما تستطيع .
قال الله تعالى ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ).
. ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ).
وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا ).
وكانت الصحابه أجوبتهم لمن سألهم، ييسرون ولا يعسرون، ويبشرون ولا ينفرون، كما أمرهم رسولهم العظيم صلى الله عليه وسلم.
ومما ينبغي الحرص عليه اتباع المنهج الوسط، الذي يتجلى فيه التوازن والاعتدال،ويعتبر أيضا من أهم أسباب الوفاق والتقارب بين المسلمين.
◘◘◘ أن الإسلام سمح، وأن الدين يسر، وأن التنطع في الدين هو التكلف والغلو في العمل بالزيادة على ما شرع الله ..
◘◘◘ إن التشدد في المسائل لا يؤدي إلا إلى الهلكة.. فهو ابتداءً يخالف تعريف الإسلام دين اليسر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة عنه أنه قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا).
◘◘◘ وهذا التنطع وهذه المغالاة توجد دائما حينما يتوفر لها المناخ المناسب لنموها كما تنمو البكتيريا الضارة حين تجد عوامل تنشيطها، وقد وجدت المغالاة في أمور الدين في عصرنا هذا - مع الأسف- ما يكفي لأن تبيض وتفرخ، وتنمو وتتعملق حتى لأوشكت تحجب بأجنحتها نور التيسير والمقاربة، وتغطي بعوائها على صوت الرفق واللين؛ الذي هو الأقرب لفهم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدين الذي أرسله ربه رحمةً وهدىً لا عنتاً ومشقةً، كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله(إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، بعثني معلما ميسرا). وكما تقول عنه السيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري ومسلم .
فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة ، والتقصير في الواجبات ، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها ،
ولكن المراد بقوله ( بين أمرين ) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي ، أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات ، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير .
يقول الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) . (قوله : ( بين أمرين ) أي : من أمور الدنيا ، يدل عليه قوله : ( ما لم يكن إثما ) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها ، وقوله : ( ما لم يكن إثما ) أي : ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم ، فإنه حينئذ يختار الأشد . وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط : ( إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ).
◘◘◘ ومن سوء الفهم في الدِّين ما حصل للخوارج الذين خرجوا على (عليٍّ رضي الله عنه) وقاتلوه، فإنَّهم فهموا النصوصَ الشرعية فهماً خاطئاً مخالفاً لفهم الصحابة رضي الله عنهم ولهذا لَمَّا ناظرهم ابن عباس رضي الله عنهما بيَّن لهم الفهمَ الصحيح للنصوص فرجع مَن رجع منهم وبقي من لم يرجع على ضلاله .
◘◘◘ ويدلُّ الغلو في الدِّين والانحراف عن الحقِّ ومجانبة ما كان عليه أهل السنَّة والجماعة قوله صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه ) إنَّ أخوفَ ما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رُئيت بهجته عليه وكان ردءاً للإسلام انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك قلت: يا نبيَّ الله.! أيُّهما أولى بالشرك الرامي أو المرمي.؟ قال: بل الرامي ) رواه البخاري وابن حبان والبزار، انظر الصحيحة للألباني (3201).
◘◘◘ رحم الله صحابة وتابعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين
من إتبعوا سنة الحبيب المصطفى وساروا على نهجه
ووهبوا لنا الدين بصفاء ونقاء وخير وافر
بعد أن تعلموه من سيد خلق الله عليه أفضل الصلاة والسلام
لم يحرفوا ولم يتنطعوا فيه .
ولكن مع الأسف الشديد جاءت أجيال .. في هذا الزمان
جعلت من الدين الإسلامي شبحاً في أعين الآخرين
بل . وصل بهم الحال .. أن نفروا الناس من هذا الدين.
◘◘◘ وأقول في الختام اتَّقوا الله أيُّها الشباب في أنفسكم لا تكونوا فريسةً للشيطان يجمع لكم بين خزي الدنيا وعذاب الآخرة واتَّقوا الله في المسلمين من الشيوخ والكهول والشباب واتَّقوا الله في المسلمات من الأمَّهات والبنات والأخوات والعمَّات والخالات واتَّقوا الله في الشيوخ الرُّكَّع والأطفال الرُّضَّع واتَّقوا الله في الدماء المعصومة والأموال المحترمة(فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أفيقوا من سُباتكم وانتبهوا من غفلتكم ولا تكونوا مطيَّة للشيطان للإفساد في الأرض.
وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُفقِّه المسلمين بدينهم وأن يحفظهم من مضلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيِّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.