لماذا الشماتة بالآخرين والاستهزاء بهم والسخرية منهم .؟
محور مهم من محاورنا نتناولها ، قال الله عز وجل في جملة ما بيّن لعباده من الآداب والأخلاق الفاضلة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } [ الحجرات11 ] .
◘◘◘ من المعلوم أن الله تعالى جعل الناس في هذه الحياة الدنيا طبقات ، فيخاطبنا جل وعلا بوصف الإيمان ، وينهانا أن يسخر بعضنا من بعض ؛ لأن المفضِّل هو الله عز وجل ، وإذا كان هو الله ، لزم من سخريتك بهذا الشخص الذي هو دونك أن تكون ساخراً بتقدير الله عز وجل ، وإلى هذا يوحي قول الرسول عليه الصلاة والسلام : (لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر ) ، وفي الحديث القدسي : (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار ) . فلماذا تسخر من هذا الرجل الذي هو دونك في العلم أو في المال ، أو في الخُلُق ، أو في الخلقة ، أو في الحسب ، أو في النسب ، لماذا تسخر منه .؟
أليس الذي أعطاك الفضل هو الله الذي حرمه هذا في تصورك فلماذا ، ولهذا قال عز وجل : { عسى أن يكونوا خيراً منهم } ، رب ساخر اليوم مسخور منه في الغد ، ورب مفضول اليوم يكون فاضلاً في الغد ، وهذا شيء مشاهد ، وفي بعض الآثار يروى : (من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ) .
◘◘◘ فعن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): (لا تُظهر الشماتة لأخيك ، فيرحمهُ الله ويبتليك). رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة.
معنى الشماتة: الفرح المؤقت لبلاء يقع لغيره ، حسداً له وحقداً عليه ، وهي دليل على العداوة والبغضاء ، فلا يشمت أحد بأحد إلا لعداوة بينهما قد تكون ظاهرة وقد تكون كامنة.
والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في هذه الوصية يخاطب المؤمنين الذين لم يكتمل إيمانهم بعد محذراً من آفة تجلب على صاحبها البلاء ، وتورثه الشقاء ، وتحرمه من التمتع بطيبات الحياة ، وهي الشماتة.
◘◘◘ أصل هذه الكلمة يدلُّ على فَرَح عَدُوٍّ بِبَلِيَّة تُصِيب مَنْ يُعَادِيه، يقال: شَمِتَ العَدُوُّ كفَرِحَ وزْنًا ومعْنًى، يَشْمَتُ شَماتَةً وشماتًا، وشَمِتَ الرَّجُلُ: إِذا فَرِحَ ببَلِيَّةِ العَدُوِّ، وباتَ فلانٌ بلَيْلَة الشَّوامِت، أي بلَيْلَةٍ تُشْمِتُ الشَّوامتَ .
فالشَّمَاتَة: هي الفَرَح ببليِّة مَن تعاديه ويعاديك .
وقال أبو حامد الغزَّالى: (الشَّمَاتَة: الفَرَح بالشَّرِّ الواصل إلى غير المستَحِق، ممَّن يعرفه الشَّامت) .
وقيل: الشَّمَاتَة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن العداوة والحسد .
♣♣♣ هي أن يُسرّ المرء بما يصيب عدوه من المصائب ، قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام : ( فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ ) الأعراف / 150
وروى البخاري (6347) ومسلم (2707) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ ) .
♣♣♣ فإن الشماتة ولاشك من الصفات الذميمة التي ربما كانت عند البعض , والشماتة جاء في تعريفها أنها الفرح ببلية العدو هذا في الأصل , وهي أيضاً تطلق على الفرح ببلية تنزل بكل إنسان تعاديه من المسلمين أو غيرهم .
يقول القرطبي رحمه الله :. الشماتة : السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا .
♣♣♣ إن المسلم الذي تربى على الأخلاق الإسلامية الفاضلة ووعى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمت في أحد ولا يفرح في مصائب الآخرين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين .
إن المسلم يكره أفعال العصاة ويكره أفعال الكفار لكنه لا يشمت بهم ولا يفرح في مصائبهم لأنه لا يكن حقدا لأحد ولا يبغض أحدا ولكنه يكره أفعال العصاة والبعيدين عن طريق الله ويدعو للجميع بالهداية والمغفرة
وليعلم كلُّ إنسان أن التشفِّيَ بالموت ليس خُلقا إنسانيًّا ولا دينيًّا، فكما مات غيره سيموت هو، وهل يُسَرُّ الإنسان إذا قيل له: إن فلانًا يُسعده أن تموت.؟ والنبيُّ (صلى الله عليه وسلم )قال) لا تُظهر الشَّماتة بأخيك فيُعافيه الله ويَبتليكَ) رواه الترمذي وحسنه.
♣♣♣ وتتنافى الشماتة بالمَصائب التي تقع للغير تماما مع أخلاق المسلمين، وما دعا إليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى إنه تعرض لإيذاء أهل الطائف له، وبرغم ذلك لم يدع عليهم بالهلاك، وعندما خيره جبريل عليه السلام في ذلك، قال: (لا، بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابِهم من يعبده لا يشرك به شيئًا)؛ ثُمّ تسامَى في النبل، فدَعا لهم بالهداية، والمغفرة.
وهكذا، رُوى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ). (البخاري ومسلم).
ولعبد الله بن أبي عتبة هنا قوله: (كل المصائب قد تمر على الفتى فتهون غير شماتة الأعداء).
وتبدو عاقبة الشماتة وخيمة بالشامت، عندما تدور الأيام دورتها، ويصيبه من تقلباتها جانب.
وفي هذا يقول ابن سيرين: (عيرت رجلا بالإفلاس، فأفلست).
وعلق ابن الجوزي على ذلك بقوله: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفة، ولا غم، ولا ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشيء الفلاني، وربما تأولت تأويلا فيه بعد فأرى العقوبة).
♣♣♣ إن الشماتة بالمَصائب التي تقع للغير تتنافَى مع الرحمة التي يُفترض أنّها تسودَ بين المسلمين، والنبيّ (صلى الله عليه وسلم )على الرغم من إيذاء أهل الطائف له ـ لم يشأْ أن يدعوَ عليهم بالهلاك وقد خيَّره جبريل في ذلك، ولكن قال في نبل وسموِّ خلق ) لا، بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابِهم من يعبده لا يشرك به شيئًا) ثُمّ تسامَى في النبل والكرم فدَعا لهم بالهداية والمغفرة.
♣♣♣ إن الشماتة بالغير خلق الكافرين والمنافقين الذين قال الله فيهم إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسَؤُهُمْ وإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) (سورة آل عمران : 120) ألا فليعلم الشامتون بغيرهم أن الأيّام دُول والشاعر الحكيم يقول:
فقُلْ للشَّامِتينَ بِنَا أَفِيقُوا سَيَلْقَى الشّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
قال الله تعالى عندما شمت الكافرون بالمسلمين في غزوة أحد إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ) (سورة آل عمران : 140) .
◘◘◘ ينبغي للمسلم العاقل أن ينزه نفسه عن الشماتة بأي أحد حتى وإن كان عدواً , ومن الشماتة التنابز بالألقاب وقد نهانا الله عن ذلك فقال :
( ولاتنابزوا بالألقاب ) وينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن أن يتكلم بأي أحد من الناس أياً كان فيشمت بأخيه المسلم وبمصيبته وبما حل به أو يشمت بعيب فيه خلقي أو غيره أو بصفة من صفات الذميمة أو بطبع من الطباع فيه فكل هذا نهينا عنه , والمسلم الحق هو الذي يكف لسانه عن ذلك وقد قال ( صلَّ الله عليه وسلم ): ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) .
وليحذر المسلم كل الحذر من الشماتة بأخيه المسلم وقد قال( صل َّ الله عليه وسلم ) كما رواه الترمذي في جامعه : لاتُظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك بل ربما والعياذ بالله امتدت شماتته ليست للأحياء بل للأموات ولايزال يشمت بهم ويعيرهم وقد قال( صل َّ الله عليه وسلم ) : ( لاتسبوا الأموات فإنهم قد أفضَوا إلى ماقدموا ) فربما وقعت أنت أيها المسلم بالأمر الذي كنت تشمت به بأخيك وتقع في نفس الخطأ الذي كان يقع فيه وهذا واقع ومشاهد في مجتمعاتنا , وكما قال الأول :.
إذا ما الدهر جّر على أناس ××× حوادثه أناخ بآخرين
فقل للشامتين بنا أفيقوا ××× سيلقى الشامتون كما لقينا
ولما شمت أبا ذر رضي الله عنه ببلال رضي الله عنه وعيره بأمه وقال ياابن السوداء فقال له النبي( صل َّ الله عليه وسلم ) : (إنك أمرؤ فيك جاهلية ) فالشماتة هي من صفات أهل الجاهلية الذين ما يتركون أحداً إلا ويسخرون منه ويشمتون به .
والمصيبة الكبرى أن البعض ربما تقّصد تتبع عورات إخوانه ليشمت بهم وقد قال : ( صل َّ الله عليه وسلم ) ( من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته وفضحه في جوف بيته ) .
فاحذر أيها المسلم من ذلك وقد قال ( صل َّ الله عليه وسلم ): ( من عّير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ) فكن على حذر.... رعاك الله , ثم أين الستر على أخيك المسلم وهذه صفة عظيمة مباركة فاحرص عليها .
وأقول إن للشماتة مضاراً عظيمة تفتك بالمسلم وبحسناته فمن ذلك أن الشماتة تسخط الله تعالى وهو سبحانه لايرضى هذا من العبد , ثم إذا كانت هذه الصفة بالإنسان فهي دليل على سوء خلقه وقد تعوذ رسولنا ( صل َّ الله عليه وسلم ) من سوء الخلق .
◘◘◘ ثم مالفائدة من هذه الشماتة التي لاتورث إلا البغضاء والعداوة بين الناس , وكل واحد منا لا يحب أن يشمت به أحد وإذا سمع من يشمت به فإنه يحقد عليه ويكرهه ويبغضه فبذلك تنتشر هذه العادات الذميمة في مجتمعاتنا .
وبهذه الصفة يساهم الإنسان في تفكك المجتمع والذي ينبغي المسلم أن يحرص كل الحرص على تماسكه وتعاونه , وقد قال سبحانه : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) .
وإذا شمت اليوم بأخيك فسوف يأتي اليوم الذي يشمت بك غيرك وقال القائل :.
فقل للذي يبدي الشماتة جاهلاً ××× سيأتيك كأس أنت لابد شاربه
ويا أيها الشامت انتظر ماذا يأتيك :.
يا أيها المبدي الشماتة انتظر ××× عقباً كإن الموت كأس مرير
قال ابن القيم رحمه الله : وفي التعيير (يعني بالذنب) ضرب خفي من الشماتة بالمعير .
♣♣♣ حكى الله تعالى من قصة هارون مع أخيه موسى عليهما السلام، ما اعتذر به الأول للثاني من رغبته في تجنب شماتة القوم، فقال تعالى: (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). (الأعراف: 150).
ويبدو أن هذا سلوك عام لدى الأنبياء، إذ قيل لأيوب عليه السلام: (أي شيء من بلائك كان أشد عليك.؟ فقال: (شماتة الأعداء).
♣♣♣ ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة الإعراف الآية (150):
(فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء).
لا تمكنهم من إغاظتي بالفرح في بليتي ، وهذا ما قاله هارون لأخيه موسى – عليهما السلام – حينما أخذ موسى بشعر لحية أخيه هارون ورأسه لما عبد قومه العجل من بعد خروجه لميقات ربه.
معنى الحديث: قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (لا تظهر الشماتة بأخيك) نهى عن إظهارها وإخفائها.
كأنه قال: لا تشمت به أبداً ، وإن وقعت في قلبك شماتة فلا تعمل على إظهارها ، بل اجتهد في إزالتها بكل ما أوتيت من علم وحكمة.
وإظهار الشماتة يوقظ نار العداوة ، ويزيد في إشتعالها ، ولو عزاه في مصيبته وواساه بقدر طاقته وأعانه على دفع ضره ، لكان ذلك أولى وأقرب للتقوى.
والمؤمن الحق هو الذى يدع للصلح موضعاً ، ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا ، ولا يدنس قلبه بهذه الآفة البغيضة ، وهو يعلم أن الدهر يوم له ويوم عليه.
وقوله: (فيرحمهُ الله ويبتليك).
ليكفكف الشامت دموع فرحة الموقوت ، ويكف نفسه عن التمادي فيما يفسد عليه قلبه وعقله وخُلقه ودينه ويجعله مستحقاً للبلاء من قبل الله – عز وجل – وهو جل شأنه بالمرصاد لمن طغى وبغى وأضمر السوء لأخيه ، وتمنى زوال نعمته.
وهذا يكون حال الشامت لو رحم الله عدوه وفتح له أبواب الخير وأسبغ عليه النعمة وابتلاه بمثل ما ابتلاه به أو أشد.
إنه عندئذ يكون أشد خيبة من ذي قبل – فالشامت هو الخائب لماذا.؟ لأن شماتته ترد إليه في يوم من الأيام ، وكما يقولون: على الباغي تدور الدوائر ، ومن سل سيف البغي قُتل به ، ومن صارع الحق صُرع ، ومن تكبر على الناس ذل.
مصداقاً لقوله تعالى في سورة فاطر الآية (43):
(وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ).
هناك حقيقة يجهلها الناس وهي (أن عاقبة المكر السئ تعود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب).
وهذه حكمة بالغة ينبغي على كل مؤمن أن يأخذ منها العظة والعبرة.
والعافية من الله كلمة واسعة الدلالة في معناها ومغزاها ومرماها ، فهي تعني معافاة الأبدان من الأمراض والعلل ، ومعافاة القلوب من الحقد والحسد والغيرة والنفاق وسائر ما يعكر صفو الإيمان من الآفات ومعافاة الأموال من التلف أو النقصان أو خلطها بحرام أو إنفاقها في غير وجهها.
ومثلها العفو ، فمن عفا الله عنه عافاه في دينه ودنياه وأُخراه ، ولهذا أوصى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) المؤمنين أن يدعو كل منهم في الأوقات المباركة بأن يعفو عنه ، لأن الخير كل الخير فيه.
قالت عائشة – رضي الله عنها: (يارسول الله ، أرأيت إن علمتُ أي ليلة القدر ما أقول له).
قال: قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عني).
(أخرجه أحمد بن حنبل وابن ماجه والترمذي)
وضد العفو الإبتلاء ، وهو أنواع:
فهناك إبتلاء بالخير ، وهناك إبتلاء بالشر.
مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأنبياء الآية (35):
(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
وكل منهما (الإبتلاء بالخير والشر) قد يكون عقاباً للمبتلى ، وقد يكون تمحيصاً له ومضاعفة لأجره.
الفرق بين المؤمن المبتلى والكافر في النتيجة:
فالمؤمن يبتليه الله ابتلاء تمحيص وتطهير وتزكيه وتقويم لينال بصبره وجلده الدرجات العلى في جنة المأوى ، فيكون ابتلاؤه خيراً كله في الحال والمال لماذا.؟
لأنه إن أُعطى شكر ، وإن ابتلى صبر ، فهو مع الله دائماً ، ومن كان مع الله كان الله معه ، ومن كان الله معه ، عافاه من سخطه ومنحه رضاه ، وجعل التقوى شفاءً له من كل داء ، ورزقه الرضا بقضائه وقدره ، وأراه القدر على حقيقته فآمن إيماناً لا يعتريه شك بأن الله عز وجل لا يفعل الشر ولا يختار لعبده إلا الخير ، وأنه أرحم به من نفسه على نفسه.
وأما الكافر: فإن الله يهلكه بذنبه في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فإن هلاكه يكون بكفره وإن بدا أنه مُنعم ، لأن الكفر يبعده عن نعيم دنيوى لا يعرفه أمثاله ، وهو ذكر الله.
والفاسق من المسلمين يقارب الكافر في الحرمان بقدر درجته في الفسق وبعده عن شغب الإيمان ، ويكون جزاؤه من جنس عمله في الدنيا والآخرة.
والشماته نوع من الفسق – لهذا كان الشامت عرضة للبلاء ، معاملة له بسوء فعله.
♦♦♦ قيل فى الآثار : (لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك ) ، إذن يجب على الإنسان أن يتأدب بما أدبه الله به ، فلا يسخر من غيره عسى أن يكون خيراً منه .
وكم من إنسان سخر من آخر فابتلاه الله بما في أخيه من عيب ، وهذا واقع لا ينكره أحد .
فهذا رجل شمت من أبناء فلان لأنهم جميعاً يشربون الدخان ، فقال : لا خير فيهم يشربون الدخان ، فابتلاه الله بأربعة من أبنائه يدخنون ووقع أحدهم في المخدرات .
وكان شاب معاق يبيع عند جامع كنت إمامه ، الإعاقة في رجله ويده وجزء من وجهه ، وكلامه لا يكاد يُفهم ، فجاء شاب آخر يبيع عند الجامع ، وكان الناس يرحمون المعاق ويعطفون عليه فيشترون منه ، والآخر لم يكن عليه إقبال ، فكان يعتدي على المعاق ويسخر منه حتى أنه كان يقلده في مشيته وكلامه وحركاته ، ثم اختفى ذلكم الشاب المعافى فترة من الزمن ، وفي يوم من الأيام وبعد صلاة المغرب إذ بشخص يأتي إلي والله اعتقدته المعاق ، نفس العاهات في كل جسده كالتي في المعاق حتى كلامه لا يكاد يُفهم ، وسلم علي أمام الناس ، فيالله العجب ، كيف كان أثر الشماتة عاجلاً غير آجل ، فاحذروا معاشر المسلمين من الشماتة والسخرية بالآخرين ، فالجزاء عاجل وسريع .
♦♦♦ كيف نبعد عن الشماتة.؟
بالمبادرة بالتوبة النصوح والعمل الصالح وتطهير النفس من الآفات التى تعكر صفو الإيمان.
إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرص في هذه الوصية على أن يظل إيمان المؤمن كما هو ، لا يصيبه شك ولا وهن (ضعف) ، بل يزداد ويزداد حتى يكون من الأخيار الذين وصفهم الله بقوله في سورة الأنفال الآية (2):
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
◘◘◘ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ..
وإن العيب كل العيب المجاهرة بالخلق الذميم في وسط المسلمين.
يا أيها المبدي الشماتة انتظر عقباً كان الموت كأس مرير
اللهم ياسامع الصوت وياجامع العظام لحما بعد الموت جنبني هذا الخلق الذميم .
وأعذني منه يارب العالمين أعوذ بك ان أشمت بالمسلمين وأفرح بما يكرهونه بل وأجاهر بهذا ..
إن الشماتة لا تليق بمسلم تجاه أخيه المسلم أبداً ،
بل هي من صفات الأعداء الذين حذر الله منهم ووصفهم
بقوله :-
( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ٌ) ( آل عمران:120 )
ولقد كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتعوذ بالله من شماتة الأعداء ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه
قال :-
كان النبي ( صلى الله عليه وسلم) ( يتعوذ بالله من جَهْد البلاء ، ودَرَك الشقاء ،وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء ) ( رواه البخاري )
إذا ما الدهر جَرَّ على أناسٍ كَلاَكِلَه أَنَاخَ بآخــرينا،، فقل للشامتين بِنَا أَفيقــوا سَيَلْقَى الشامتون كما لقينا ،
فأرجو من كل انسان ان لا يشمت بأحد فربما في يوم من الايام سيبلى بما ابتلى الاخر به .
نسأل الله أن يقينا وإياكم هذه الخصلة الذميمة وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدنا وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين وأن يرزقنا شكر نعمته , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .