الوسطية في الإسلام
لاشك أن الوسطية منهج حياة وسمة في الإسلام في كل الأحوال.. في السراء والضراء.. في السلم والحرب.. في معاملة الأحباء ومعاملة البغضاء لا يتغير ذلك كما هي الصفة اللازمة الدائمة، وكما كان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه أن يرزقه الله- سبحانه وتعالى- العدل في الرضا والغضب،والقصد في الغنى والفقر.
إن الوسطية في الإسلام تعني العدل والتوازن والحكمة ووضع الشيء في موضعه في حين انه حذر من كل ما يخالف الوسطية من مفاهيم خاطئة كالإلحاد والشرك والفواحش والتهور والإسراف كما حذر من الرهبنة والبخل واللامسؤلية أو تجاوز الحد مما يهدد الأمن الاجتماعي أو الفكري والبيئي والسياسي والاقتصادي، وهي تعفي من جملة الأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة انتشار الجهل وروح التعصب وتفشي الفقر والجوع والظلم والاستبداد والقهر وفقدان الوازع المعنوي.
كما أن الإسلام يجمع بين مبادئ الحرية وبين المساواة في الحقوق الإنسانية.. وهذا ما تكْفُلُهُ الدولة في الإسلام.. يعزز هذا نداءات القرآن وأحاديث نبي الإسلام التي تؤكد إن الحقوق الإنسانية معنى مشترك بين كل البشر، لا يُحرم منه أتباع أي دين، ولا أي لون ولا جنس، فالكل في النهاية في ميزان الإسلام إنسان، وكلهم بنو آدم، ولبني آدم في الإسلام حق التكريم وهذا ما ينطق به القرآن ويجرى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم:
ففى القرآن نقرأ مثل هذه الآيات: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) .. و (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).. و (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)..
و يقول النبي في خطبة الوداع : ( أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا أبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى.. إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم...).
كما يجب التبصير بأن الإسلام وضع نظاماً دقيقاً للصدقات والزكاة لتؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء ليخلق ذلك التكافل والتكامل الاقتصادي الذي يجعل من المجتمع الإسلامي مجتمعا يتحقق فيه الاكتفاء الذاتي ويرقى بالإنسان المسلم عن الذل والاضطهاد في سبيل الحصول على لقمة العيش .. كما نظم العلاقة في معاملات البيع والشراء والرهن والدين وتوزيع المواريث .
إن أهم مقاصد الشريعة وغاياتها الأساسية الكبرى، وهي ؛حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسب أو العرض، والمال، لتحقيق مصلحة الفرد والجماعة والأمة، وإيجاد التوازن والاعتدال الذي به تدوم الأوضاع والأحوال على منهج حسن ووضع مستقر، فالتوسط في الأمور ينسجم مع إمكانات البشر وقدراتهم وعطاءاتهم، وبه ينعم الناس .. ويعم الاستقرار والوئام، ومن ثم ويقبل الأفراد والجماعات على التنمية وزيادة الإنتاج، وتوفير الثروة •
كما إن الإسلام لا يميِّز إنسانًا ويضطهد إنسانًا للونه ولا لماله ولا لمستواه ولا لأملاكه، لقد جاء الإسلام والجزيرة العربية تنضح بالتمييز بين الناس، فأنكر عليهم ذلك، أوَلَمْ تَرَ دعواتِ المشركين باستئصال شأفة الإسلام لأنه يساوي بين الناس؛ فلا يميز بين السيد والخادم والمالك والمملوك.. ولا الغني والفقير ولا القوي والضعيف.. ويتضح هذا من كلامهم الذي عبّر عنه القرآن في هذه الآية: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ..) .. وفى قولهم للنبي: (أولم يجدْ ربك أغنى منك وأيسر حالاً يرسله إلينا)، وقولهم: (إننا نسلم لك بشرط أن تطرد الفقراء والعبيد من دينك)، هذا قولهم.. والرسول يردُّ بأيسر العبارات في حقوق المملوك والعبد والخادم، قائلاً: (هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ولْيكْسِه مما يكتسي ولا يكلّفه ما يغلبه..)..
"لقد قطع الإسلام طريق التفرقة والتمييز عليهم، وقال كلمته بأن المبادئ لا يُساوَم عليها، ولا يُضحَّى بها، حتى وإن كان في صالح الإسلام مؤقتًا، ومن أراد أن يدخل الإسلام كما أراد الله فأهلاً به، أما من أراده وفق هواه وشيطانه فلا حاجة للإسلام إليه، وهو عنه غنيٌّ كريم..."
والحرية الدينية عميقة الجذور في قلب الإسلام وجوهره.. وهو مما لا يصدقه أعداء الإسلام.. ويتوافق معهم فيه بعض من ينتسبون إلى الإسلام عن جهل وضيق أُفق..
إن الدولة في الإسلام دولة مدنية تفيض بالحرية الدينية لكلِّ مَن يعيش فيها سواء على الإسلام أو على أي دين غيره، لقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام على الناس يوم أُمر بذلك، وعرض مبادئه وتعاليمه.. وعرَّف الناس أن الإيمان الحق وليد يقظة عقلية وقناعات قلبية، فيستبين العقلُ الحقَّ، ويؤمن القلب به، وكان من أول مبادئه:
(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .. ( لَكُمْ دِيْنُكُمْ وَلِيَ دِيْنٌ).. ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) .. ( أَفَأنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)..؟! ..
إن الحرية في الإسلام ، أنه لا يجوز أن يُكره أحدًا على الدين: في قوله تبارك وتعالى: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) .. وقوله: ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر)..ٍ
وفى قوله: ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)..
وفى قوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ..
وفى قوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)...
لقد قطع الإسلام طريق التفرقة والتمييز عليهم، وقال كلمته بأن المبادئ لا يُساوَم عليها، ولا يُضحَّى بها، حتى وإن كان في صالح الإسلام مؤقتًا، ومن أراد أن يدخل الإسلام كما أراد الله فأهلاً به، أما من أراده وفق هواه وشيطانه فلا حاجة للإسلام إليه، وهو عنه غنيٌّ كريم...
والحرية الدينية عميقة الجذور في قلب الإسلام وجوهره.. وهو مما لا يصدقه أعداء الإسلام.. ويتوافق معهم فيه بعض من ينتسبون إلى الإسلام عن جهل وضيق أُفق..
إن الدولة في الإسلام دولة مدنية تفيض بالحرية الدينية لكلِّ مَن يعيش فيها سواء على الإسلام أو على أي دين غيره، لقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام على الناس يوم أُمر بذلك، وعرض مبادئه وتعاليمه.. وعرَّف الناس أن الإيمان الحق وليد يقظة عقلية وقناعات قلبية، فيستبين العقلُ الحقَّ، ويؤمن القلب به، وكان من أول مبادئه:
(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .. ( لَكُمْ دِيْنُكُمْ وَلِيَ دِيْنٌ).. ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) .. ( أَفَأنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)..؟! ..
إن الحرية في الإسلام ، أنه لا يجوز أن يُكره أحدًا على الدين:
في قوله تبارك وتعالى: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) ..
وقوله: ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر)..ٍ
وفى قوله: ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)..
وفى قوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ..
وفى قوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)...
ألا ترى معي أنه بعد كل هذه الآيات.. لا يستطيع منصف للحق إلا أن يعترف بأن الإسلام قد أباح الحرية الدينية على شكل لم يرد على عقل إنسان..!
فما أمر دينٌ يومًا أن يكون الحوار فقط والدعوة بالحكمة هما الأساس والأصل.. و إن الإسلام لم يفرض يومًا على نصراني أن يترك نصرانيته، ولا على يهودي أن يترك يهوديته، ولم يفرض على أتباع أي دين أن يتخلّواْ عن دينهم ليدينوا بالإسلام..
حتى وإن تولَّى الناس عن نبيِّه كان الأمر العجيب في سورة التوبة بعدما عرضتْ أشكالاً مهينةً من خداع المشركين وألاعيبهم وخصوماتهم الدنيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ)، ثم أكمل مسيرتك عاملاً مجاهدًا داعية بالحسنى متوكلاً على الذي بعثك..."
أي دين أروع من هذا..؟
أي دين..؟!
وأي دولة ترتضي لغير من يدينون بدينها مثل هذا التكريم غير دولة الإسلام..؟!
إن المنصفين من أصحاب الديانات الأخرى ليشهدون أن أزهى عصورهم حريةً وسعادةً وطمأنينةً وسكينةً تلك التي عاشوها تحت حكم الإسلام...
رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دنا أجلُه أوصى قائلاً:
(أُوصي الخليفةَ بعدي بأهل الذمة خيرًا...)
قولوا لنا يا سادة، أي رئيس أو ملك أو أمير أوصى قبل موته بأتْباع الأديان الأخرى خيرًا، غير خليفة المسلمين.. إن كل إنسان تحضُره الوفاة يركِّز في وصيته بِمَن هو أقرب لفكره واهتمامه وخوفه عليهم، فما رأيك فيما أوصى به عمر..؟!"
إن الحرية الدينية التي كَفَلَها الإسلام لم يشهد التاريخ لها نظيرًا، ولم يحدث أن انفرد دين بحكم الأرض، ثم نشر خيره وأمانة على مخالفيه، وأعطاهم حق حرية الاعتقاد وكل أسباب البقاء والازدهار مثلما فعل الإسلام.. إن الإسلام حيث يسود يمنح أتباعه وغيرهم مطلق الحرية وجميع الحقوق، في حين إذا ساد مخالفوه نكَّلوا بنا، وأذاقونا سوء العذاب، وسقوْنا من كئوس المهانة ألوانًا، ولو عادت لنا الكرَّة عليهم كنَّا معهم وكأنهم لم يفعلوا بنا شيئًا، ونقول لهم بقلب منشرحٍ وصدرٍ رحبٍ: اذهبوا فأنتم الطلقاء...".
ولأن الدولة فى الإسلام دولة مدنية ، فإنها تبيح للعقل مطلق الحرية في التفكير والإبداع، وما تقف في وجهه إلا حين تعلم أنه يسعى فيما لا يُجدي ولا يعود عليه بخير هو وغيره من بني البشر.. إن الله قد خلق العقل وجعل مهمته أن يفكر، كما أن وظيفة العين أن تبصر، والأذن أن تسمع، فلا يليق بإنسان أن يغمض عينيه ويمشي الطرقات يتحسس...
إن الإسلام جعل الإيمان الحق والتصديق به ثمرةَ إعمال العقل والتفكير، والتماس أسباب الهداية، كما أن الكفر والإلحاد نتيجة توقّف العقل واستخدامه في غير ما خُلق له.. وقطْع التفكر به في دروب الحق..
( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور)..
و (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .. ولقد عاب القرآن على قوم عطَّلوا جوارحهم وأفئدتهم عن وظائفها كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) ..
وفى الآية: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) ...
و هكذا نرى أن الإسلام لا يلوم على حرية الفكر، وإنما يلوم على الغفلة والذهول، وإن المصابين بكسل التفكير واسترخاء العقل في الإسلام عصاةٌ مقصِّرون؛ لأنهم لم يشكروا نعمة الله عليهم، وأن ما يستهدفه الإسلام من وراء الحرية الفكرية هو الوصول إلى النهاية الصحيحة، وما يتطلب الإسلام من العقول العاملة المفكرة سوى أن يقدّر بعضُها بعضًا، ويكرّم بعضها بعضًا، ولا يحتكر أحدٌ الصوابَ لنفسه ويحرّمه على غيره، فالحق والصواب ليس ملْك عقل بعينه ولا مفكر بشخصه، فللحق طريق مستقيم توصِّل إليه مداخل شتى تتلاقى فيها العقول المفكرة...
إن الحرية الفكرية في الإسلام فاقت حدود العقل، ففي فريضة الصلاة اختلفت الأقوال والآراء من التكبير إلى التسليم لأكثر من سبعين حكمًا وقولاً، كلُّ ذلك في إطار الحق والحب والود وحسن الاختلاف..أما قيود الإسلام على الفكر فقد رفض الإسلام للفكر أن يُتعب نفسه فيما وراء الغيب ويزجَّ به في عالم ما وراء المادة؛ ليبتكر أحكامًا وينشئ تصورات.. كل هذا، لا لشيء إلا لأنه يكلِّف العقل فوق طاقته ويقحمه فيما لا يعود من ورائه بمصلحة على الأمة والدنيا والنفس..
وخلاصة القول أن الإسلام قد فتح آفاق التفكير حتى أبْهَرَ علماءُ عصرِ الخلافةِ الدُّنيا بعلمهم، في الوقت الذي كانت أوروبا تُوصد فيه أبواب النظر أمام العقول المفكرة، وترمي أصحابها بالإرهاب والمقْت، ولم يثبت على دولة الإسلام يومًا إبادة الكتب أو حرقها كما يفترى عليها بعضُ المفترين، ولم يثبت عليها محاربة العلم أو إنزال العقوبات على المفكرين بسبب أفكارهم وإن بدت معادية.
أن الإسلام أحرص ما يكون على تحقيق حياة كريمة للإنسان في هذه الدنيا .. ويضع لتحقيق هذا سياجا من العدل والمساواة والتضامن.. ويعززه بالحرية.. الحرية بكل أنواعها وألوانها: سواء كانت دينيةً أو فكريةً أو مدنيةً أو سياسية... ومن يعتقد بغير ذلك فعليه أن يراجع نفسه في ضوء الفهم الصحيح للإسلام.. وللمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية... !!
وقد حث الإسلام على طلب العلم واحترام العلماء والمسارعة إلى أعمال الخير.. ولم يهمل الإنسان في نفسه.. فقد أمره بالصلاة وكان مفتاح الصلاة الوضوء.. وهيكل الوضوء الطهارة في الجسم والملبس والمكان لتتحقق النظافة مظهراً أو مخبراً.. كما حثه على التداوي وطلب الأسباب.. وأمر بأكل الطيبات واجتناب الخبائث.
فتؤدي الوسطية إلى نقاء النفس من الأدران الأخلاقية، والأحقاد القلبية وكل ما من شأنه إيقاد نار العداوة والبغضاء، وتؤدي إلى نظافة المجتمع من آفات الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وأمراض الأثرة والأنانية وحب الذات ولها غير ذلك فوائد كثيرة ينعم بها كل مجتمع هيمنت عليه الوسطية، وكانت سمته البارزة في تعامله وفي سلوكه وحياته .