يشكل الإرهاب مظهرا من مظاهر العنف الذي يمارسه الإنسان في المجتمع، وأن هذه الممارسات لم تكن وليدة اليوم فهي منحدرة في تاريخه، فقد شهدها المصريين القدامى وامتدت إلى عصر الإغريق ثم عصر الرومان وفي فرنسا في القرن التاسع عشر .
ومع الحركات التحررية انتعش الإرهاب في مختلف أنحاء العالم بآسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وأصبح البديل للحروب التقليدية وفي السنوات الأخيرة تزايدت الأعمال الإرهابية بشكل مثير وملفت للنظر، فطرحت العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب والدوافع الكامنة وراء الظاهرة المريبة، ورغم أن هناك خلاف وتباين في تحديد الدوافع إلا أن الجميع يجمع أن دوافع تصاعد العمليات الإرهابية لا تخرج عن كونها سياسية
تاريخية واقتصادية وشخصية.
وإذا كان الإرهاب اعتداء، فإنه في الشريعة الإسلامية لا يخرج عن أحد الأمرين إما أن يكون بحق و بالتالي فهو جائز وإما أن يكون بغير حق فهو من ثم محرم .
التعريف الصحيح للإرهاب
تعريفه من حيث اللغة العربية
فالإرهاب مصدر أرهب يرهب إرهاباً من باب أكرم وفعله المجرد (رَهِب) , والإرهاب والخوف والخشية والرعب والوجل كلمات متقاربة تدل على الخوف إلا أن بعضها أبلغ من بعض في الخوف وإذا تتبعنا هذه المادة في القرآن الكريم مادة رَهِبَ أو أرهب وجدناها تدل على الخوف الشديد قال تعالى ( وإياي فارهبون ) أي خافوني , وقال تعالى ( ويدعوننا رغبا ورهبا ) أي
طمعا وخوفا , وقال تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) أي تخيفونهم
قال ابن جرير : يقال منه أرهبت العدو ورهبته فأنا أرهبه وأرهِبه إرهابا وترهيبا وهو الرهب والرهب ومنه قول طفيل الغنوي
ويل أم حي دفعتم في نحورهم ... بني كلاب غداة الرعب والرَّهَب
أي الخوف
وقال ابن جرير : حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ( واضمم إليك جناحك من الرهب ) أي من الرُعب وهذا التفسير للرَّهب بالرعب يدل على أن الرعب مرادف للرّهب وأن معناهما الخوف الشديد يؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم : (نصرت بالرعب مسيرة شهر ) أي بالخوف
هذا نموذج مختصر لبيان معنى الإرهاب في لغة العرب.
مفهوم الإرهاب في الشرع :
فهو قسمان
أولا :- قسم مذموم ويحرم فعله وممارسته
وهو من كبائر الذنوب ويستحق مرتكبه العقوبة والذم وهو يكون على مستوى الدول والجماعات والأفراد وحقيقته الاعتداء على الآمنين بالسطو من قبل دول مجرمة أو عصابات أو أفراد بسلب الأموال والممتلكات والاعتداء على الحرمات وإخافة الطرق خارج المدن والتسلط على الشعوب من قبل الحكام الظلمة من كبت الحريات وتكميم الأفواه ونحو ذلك
كما عرف الإرهاب بأنه “الاستعمال المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي مثل الاستيلاء أو المحافظة أو ممارسة السلطة، وبصفة خاصة هو مجموعة من أعمال العنف (اعتداءات فردية أو جماعية أو تدمير) تنفذها منظمة سياسية للتأثير على السكان وخلق مناخ بانعدام الأمن
كما يعني الإرهاب أيضا محاولة الجماعات والأفراد فرض أفكار أو مواقف أو مذاهب بالقوة لأنها تعتبر نفسها على صواب والأغلبية مهما كانت نسبتها على ضلال، وتعطي نفسها وضع الوصاية عليها تحت أي مبرر… ومن هنا يأتي أسلوب الفرض والإرغام
ثانيا :- إرهاب مشروع شرعه الله لنا وأمرنا به
وهو إعداد القوة والتأهب لمقاومة أعداء الله ورسوله قال تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) فهذه الآية الكريمة نص في أنه يجب على المسلمين أن يبذلوا قصارى جهدهم في التسليح وإعداد القوة وتدريب الجيوش حتى يَرهبهم العدو ويحسب لهم ألف حساب وهذا أعني وجوب الإعداد للمعارك مع العدو أمر مجمع عليه بين علماء
المسلمين سواء كان الجهاد جهاد دفع أو جهاد طلب لكن ينبغي أن يُعلم أن مجرد القوة المادية من سلاح وعدة وتدريب لا يكفي لتحقيق النصر على الأعداء إلا إذا انظم إليه القوة المعنوية وهي قوة الإيمان بالله والاعتماد عليه والإكثار من الطاعات والبعد عن كل ما يسخط الله من الذنوب والمعاصي..
فالمستقرئ للتاريخ يدرك صدق هذه النظرية قال تعالى ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) وقال تعالى ( لقد نصركم الله في موطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغني عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ) ولما كتب قائد الجيش في غزوة اليرموك لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال في كتابه : إنا أقبلنا على قوم مثل الرمال فأَمِدَّنا بقوة وأمدنا برجال فكتب له عمر رضي الله عنه : ( بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب إلى قائد الجيش فلان بن فلان أما بعد : فاعلم أنكم لا تقاتلون عدوكم بقوتكم ولا بكثرتكم وإنما تقاتلونهم بأعمالكم الصالحة فإن أصلحتموها نجحتم وإن أفسدتموها خسرتم فاحترسوا من ذنوبكم كما تحترسون من عدوكم
والأمثلة التي تدعم هذه النظرية كثيرة في التاريخ منها معركة اليرموك إذ كان العدو متفوقا على المسلمين من حيث العدد والعدة ، وعدد المسلمين بضعة آلاف وعدتهم بدائية كالسيوف والرماح , ومع هذا انتصر المسلمون على أعدائهم لتحقق القوة المعنوية وهي الإيمان بالله والتوكل عليه
كما تعد ظاهرة الإرهاب والتي تفشت في المجتمعات الدولية، منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي وكلمة “الإرهاب” ومشتقاتها من أمثال “إرهابي” و “الإرهاب المضاد” وغيرها قد غزت بالفعل أدبيات جميع فروع العلوم الاجتماعية
حيث أضحى مصطلح “الإرهاب” من أكثر الاصطلاحات شيوعا في العالم، في وقت تزداد فيه نسبة الجريمة ارتفاعا وأشكالها تنوعا؛ وأصبح الإرهاب واقعا مقلقا ومزعجا. فالمؤلفون في ميادين علم النفس، وعلم الإجرام وعلم الاجتماع، والفكر الديني…إلخ، انكبوا على دراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة اجتماعية – سياسية أخرى في عصرنا
والذي يقرأ أو يستمع إلى وسائل الإعلام المختلفة يعتقد أننا نعيش في حقبة من هوس الإرهاب، وأن الإرهاب وحده هو الخطر الوحيد البادي للعيان.
وهو التهديد الرئيسي لوجود جيلنا والأجيال المقبلة ما لم يزل أثر هذه الظاهرة غير القابلة
للاحتمال من وجه الأرض إلى الأبد .
ورغم عدم وجود اتفاق حول مفهوم محدد للإرهاب..
كما أن الإرهاب الدولي يعرف بأنه نوع من العنف غير
المبرر وغير المشروع بالمقياسين الأخلاقي والقانوني لانه يستهدف قتل اكبر عدد ممكن من البشر، وبذلك يتخطى الحدود السياسية، ويختلف الإرهاب عن ممارسة العنف السياسي الداخلي التي قد تنتهجها بعض الأحزاب والقوى المعارضة أو الحركات المتمردة داخل الدولة الواحدة لإسقاط السلطة الشرعية القائمة في تلك الدولة ومحاولة السيطرة على الحكم فيها .والإرهاب الدولي عادة ما تكون له أهداف سياسية كما أن القوى
التي تمارسه هي في الغالب قوى غير حكومية، وإن كان هذا في ذاته لا يمثل حائلا بينها وبين الحصول على التشجيع المادي والمعنوي لبعض الدول والحكومات
واليوم قد توفرت الأسباب التي تساعد على انتشار الإرهاب الدولي فقد طرأت في الحقبة الأخيرة مستجدات عديدة زادت كثيرا من أخطاره ومضاعفاته الدولية، منها على سبيل المثال: انتشار الثقافة التي تشجع على العنف وانتشارها بين صفوف الشباب من خلال المدارس الدينية والمناهج التي تشجع على العنف , وغياب الثقافة المقابلة التي تتصدى لتلك الأفكار الفاسدة .وسبب آخر هو ضلوع العديد من الدول
والحكومات وتواطؤها مع منظمات الإرهاب الدولي،وتقديم كل أنواع الدعم المادي والمعنوي والتكاثر السرطاني لخلايا وشبكات الإرهاب الدولي المنتشرة في الكثير من الدول، ويلعب التقدم التكنولوجي الكبير الذي استفادت منه هذه المنظمات في نطاق الاتصالات وجمع المعلومات والتزود بمعدات فنية متطورة. بما أن الإرهاب يطور نفسه وينشر ثقافته الخاصة بقتل الناس فلقد أصبح ظاهرة دولية ولا يستثني أحدا من البلدان والشعوب، فلذلك يتطلب مكافحته ومعالجته من قبل الجميع دون استثناء، لأن الإرهاب أخذ يمتد وينتشر ويتوسع في كل بلدان العالم، وليس موجه ضد هذا بلد دون الآخر أو فئة دون أخرى فالتفجيرات التي يقوم بها لا تفرق بين الناس حسب انتماءاتهم بل حسب تواجدهم في المكان والزمان،
لذلك يقع على عاتق قادة دول العالم الوقوف طويلا أمام ظاهرة الإرهاب الدولي، وما هي أسبابها وجذورها وكيف معالجتها والتصدي لها ؟. وعليهم أن يدركوا أنه لا يمكن معالجة ومكافحة الإرهاب، من خلال استخدام سلاح العنف المقابل والقوة المسلحة،حيث شهد العالم عدم نجاح العمليات العسكرية الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم . بل يتطلب الأمر توفير الظروف المناسبة التي
تخفف من ظاهرة تصاعد الإرهاب، وتساعد على تجفيف مصادره، والعمل الجدي والفعال من أجل توفير المناخ الديمقراطي والإصلاحات الشاملة في جميع المجالات،وإيجاد ثقافة التحاور والتسامح وقبول الآخر ومحاربة المدارس التي يستخدمها الإرهاب في نشر أفكاره عبرها وعبر المساجد والجوامع التي تشجع وتثقف على الإرهاب تحت عناوين إسلامية تعطي صورة خاطئة للإسلام وتوصل رسالة للعالم مفادها أن الإسلام لا يجيد إلا لغة العنف مع الآخر .ومن الأمور الأخرى التي يجب مراعاتها في محاربة الإرهاب , محاربة ومعالجة ظاهرة الفقر المنتشرة في مناطق واسعة من العالم، والعمل على توفير فرص العمل للملايين العاطلة عن العمل، إضافة إلى توفير السكن والتعليم والضمان الصحي والاجتماعي، ومساعدة الدول الفقيرة والتخفيف من أعباء الديون المترتبة عليها، كل هذا وغيره من المعالجات والقضايا الأخرى، سوف تساعد حتما في محاربة هذاالفكر المتطرف ومواجهة عمليات الإرهاب والجريمة المتصاعدة في أيامنا هذه .
وأن كل هذه والحلول والمقترحات بحاجة إلى منظمات مجتمع مدني وجمعيات وهيئات وأدوات فاعلة وحيوية على الصعيدين المحلي والدولي كالإعلام الوطني والحر الذي يشارك في تنوير وتثقيف المتلقي، بحيث
يصبح هذا الإعلام والمنظمات بديلا حقيقيا لانتشال الشباب من واقعه المتردي والصعب والمرير، الذي يدفعهم ويؤدي بالضرورة بهم، إلى لجوء البعض منهم للانخراط في المنظمات المتطرفة، التي لا تؤمن بالحوار والديمقراطية والسلام طريقا للبشرية، بل إنها تلجأ إلى طريق العنف
والإرهاب من أجل الوصول إلى أهدافها العدوانية الشريرة .
إذن ما دام الإرهاب أصبح دوليا وشاملا، فلذلك تقع على كل دول العالم مسؤولية مكافحته ومحاربته بكل الوسائل والطرق الممكنة، والتي ينبغي أن تحقق النجاحات بأقل الخسائر البشرية والمادية، للقضاء عليه جذريا، وخلق عالم خال من الإرهاب والجريمة، ويسوده السلام والمحبة والحرية والتآخي بين الشعوب .