مع دخول شهر أكتوبر بدأت أجواء الانتخابات البرلمانية المصرية الساخنة تلوح في الأفق في ظل اقتراب موعد إقامتها خلال شهري أكتوبر ونوفمبر وهو ما يفرض حالة من الترقب لما ستسفر عنه تلك الانتخابات من برلمان يعد الأول منذ أحداث الثلاثين من يونيو والذي يعول عليه المصريون في إنجاز العديد من التشريعات المعطلة بسبب عدم وجود مجلس شعب في الفترة الحالية .
نصف مليون جنيه مصري أي ما يقرب من 60 ألف دولار هي قيمة الحد الأقصى المسموح به للدعاية الانتخابية للمرشح الواحد ويضاف إليها مائتا ألف جنيه مصري بما يعادل 28 ألف دولار تقريبا في حال وصول نفس المرشح إلى جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية المصرية المقبلة .
ولكن على الرغم من تحديد تلك القيم كسقف أعلى للدعاية من أجل تحقيق العدالة في المنافسة الانتخابية إلا أن هناك من اخترق هذا السقف وتجاوزه أو يسعى لتجاوزه خلال الأيام القادمة خاصة بعد رفع الحظر الرسمي عن الدعايا مؤخرا بما يثير مخاوف الكثيرين من تأثير المال السياسي وأباطرته على تكوين برلمان مصر الجديد ويثير معه أيضا حالة من الجدل على الساحة السياسية على الصعيدين النخبوي والشعبي خاصة مع ظهور سطوة هذا المال خلال فترة عيد الأضحى المبارك والذي استغلها
كثير من المرشحين في الدعاية الانتخابية من خلال توزيع لحوم الأضاحي وكذلك إعلانات التهنئة المصحوبة ببعض الهدايا ضاربين عرض الحائط بما فرض من حظر على الدعاية خلال تلك الفترة خاصة في الصعيد والمناطق الريفية والشعبية.
◘◘◘ مصر ليست غنيمة يتقاسمها أصحاب السطوة والنفوذ .
لمن يتصورون أنهم صنعوا الثروة، ومن حقهم أن يحصلوا على الثمن ويوزعوا مقاعد على أحزابهم ومؤيديهم، وأشعر بأسى عندما أتابع أخبار الأحزاب السياسية والتحالفات الانتخابية وتوحيد الصف المدني، وغيرها من المصطلحات الموروثة من العهود الشمولية البائدة، والتي تدور حول معنى واحد هو الاتفاق على حصص كراسي البرلمان، ويتعاركون ويتشاجرون وينفصلون ويتصارعون، لأن كل طرف لا يقتنع بحصته ويريد المزيد، وكأنهم نصبوا أنفسهم أوصياء على الناخبين ويعرفون مصالحهم أكثر منهم ويختارون لهم من يريدون، علما بأن كل من يتحركون على مسرح تقسيم المغانم، لم يسبق لهم خوض أي انتخابات، ولا يعرفون دهاليزها ومؤامراتها وألاعيبها الخفية، علاوة على أنه ليس لهم ظهير جماهيري محسوس، مع كل الاحترام والتقدير.
◘◘◘ إذا كان الهدف من الانتخابات هو المنافسة على حصد أصوات الناخبين، والمنافسة تعنى هزيمة الخصم والفوز عليه.
لم نسمع رغم اقتراب موعد الانتخابات عن حزب أعد برنامجا طموحا لخدمة الجماهير، أو دماء جديدة تم الدفع بها على المسرح السياسي، وكل ما يحدث وجبات بايتة سيئة الرائحة والمذاق.
كل الأحزاب والقوى السياسية تبحث عن عفريت تخيف به الآخرين.
وأشهر عفريتين هما الإخوان والفلول، وهم لا يدركون أن أنانيتهم وخيبتهم ستضعهم في خانة الرفض الجماهيري جنبا إلى جنب مع الإخوان والفلول.
◘◘◘ إن حجم ما ينفقونه المنافسين في الانتخابات من أموال في الدعاية كبير وضخم لدرجة مخيفة، وهذا يعكس خطورة الموقف الحالي بالنسبة لسيطرة المال على الأمر وأن من يمتلكه مهما كانت مصادره حتى لو كانت من مصادر غير مشروعة ستكون له الكلمة العليا وهو الذي سيكسب ولو حدث ذلك ستكون مصيبة كبرى وفضيحة أمام العالم أجمع.!
◘◘◘ أن المرشحين لا يلتزمون بتعليمات اللجنة العليا للانتخابات وهو ما يفتح الباب لأصحاب المال على حساب أهل الجدارة بما يمثل خطرا على تشكيل البرلمان الجديد وبما يعيد من جديد ظاهرة المال السياسي التي عانت منها البرلمانات المصرية لفترة كبيرة قبل ثورة يناير وهو ما يثير أيضا التساؤل حول ملامح البرلمان الجديد في ظل هذا الواقع الخطير!
فهل يسيطر أصحاب الأموال والنفوذ على حساب قليلي المال وضعاف النفوذ حتى لو كانوا هم الأجدر.؟
وكيف سيكون توزيع القوى السياسية داخل أروقة البرلمان المصري الجديد.؟
◘◘◘ هل هي أزمة عقل أم أزمة ضمير.؟
وأيهما أكثر تأثيراً على الآخر.؟
إن غياب القانون. يتحول كل فرد أو جهة من ذوي السطوة إلى قانون قائم بذاته. يشيعه ويمارسه في الوسط الذي يهيمن عليه. هو قانون بمفهومه لكنه ارتداد وتراجع وانحياز إلى عالم ما قبل الغاب. ما قبل تشكل الاتفاق والانسجام والألفة بين الجماعات البشرية.
كلما تضخمت الذات كلما انكمش حضور الضمير.
لا ضمير يمكن له أن يكون حاضراً فاعلاً مؤثراً ومنتبهاً في تضخم الذات وسطوتها وشهوتها وذهابها المنحرف والمدمر. أكبر أزمات العالم اليوم هو غياب الضمير فيه وغياب الضمير فيه مرجعه وسببه هيمنة التضخم في الذات.
◘◘◘ الذي يغلب على أصحاب الثروات في كل مجتمع إنهم أنصار الحالة القائمة وأعداء الثورة والاضطراب السياسي أو الاجتماعي.
هم الذين سوف يقيمون المؤامرات على الثورة رافضين خروج العامة على الأسياد ورافضين مطالبة الفقراء بحقهم البسيط في العيش.
ثارت مصر وأتى عليها نظامًا كان يرغب في إرث مصر كاملًا كما هي دون آي تغيير يذكر في سياسيات إدارتها المورثْة منذ حقبة حُكم (الحزب الوطني) فصار على نفس النهج في سياسته الاقتصادية والاجتماعية وانزلق لمستوى اقل في السياسة الخارجية ففقدت مصر الكثير من قيمتها ونفوذها في الشرق الأوسط، وبات يلوح في الأفق بأن مصر ليست مؤمنة وأنها أُمة كافرة وأن من يحكمونها يمثلون صحيح الدين، دون النظر إلى أنها دولة الأزهر ونبراس الأمم في التعليم والبحث في أمور دينهم ودنياهم.
◘◘◘ إن أصحاب السطوة والنفوذ والثروة هم الذين يعادون دومًا أي تحرك وأي سبيل للتغيير في هذا البلد فتراهم ينصبون العداء للثورة ورجالها وشبابها ويشوهونها عبر تطويع منابرهم في الإعلام الضال الذي يقوم بعملية حقيرة لتشويه الثورة والثوار وهو ما لا يجب السكوت عنه في هذه الأثناء.
◘◘◘ مثل شعبي معناه إذا أردت أن تجعل آي إنسان في حيرة من أمره عليك أن تخيره بين اختيارين.
وهنا سوف يقع في حيرة لأن الاختيار دائما صعب.
وهذا المثل ينطبق على حال المصريين في موسم الانتخابات القادم عندما يطلب منهم الذهاب مجددا" إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم في البرلمان، قلبي مع هؤلاء البسطاء الذين يتوقون إلى العيش الكريم.
♣ الناس خائفون أن يلدغوا من جحر البرلمان مرة ثانية بعدما انهكتهم الجماعات الإرهابية بحجة الشرعية.
♣ الناس حائرون يتساءلون من يختارون.؟
♣ الناس يقرأون أسماء المرشحين ولسان حالهم يقول لهؤلاء المرشحون (من أنتم؟.. من أنتم؟) وماذا أنتم فاعلون.؟
والحق كل الحق مع الناس.
قبل الثورة كان النظام السابق يجنب الناس عناء الانتقال إلى لجان الانتخابات فالنظام كان يعلم مصلحة الشعب ويختار له من يمثلونه في المجلس أما الآن فعلى الشعب أن يتحمل مشقة اختيار من يمثلونه وهنا يبرز دور من نصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب بأن يضعوا بعض الشروط التي يجب أن تتوافر في الشخص الذي يتقدم لترشيح نفسه للانتخابات مثلا (ألا يكون من الفلول وألا يكون من أصحاب السطوة والمال وألا يكونوا قد سبق له دخول البرلمان قبل الثورة) ، أي (نائب على الزيرو) وأن يكون لديه خلفية قانونية لأن عضو البرلمان هو من يتولى التشريع فيقترح ويسن القوانين التي تنظم الحياة بين الأفراد بعضهم البعض وبين الأفراد والدولة وأن يراقب أعمال الدولة وتوجيه الأسئلة للوزراء لدرجة أنه يستطيع استجواب الوزراء وله صلاحية سحب الثقة ممن يثبت تقصيره في أداء واجبه.
♣ الناس يخشون من ألاعيب أصحاب الأيديولوجيات الدينية و أصحاب السطوة والمال الذين ابتكروا طراز جديد من المرشحين للبرلمان وهو (المرشح بالوكالة) ليكون هذا المرشح دمية يحركها أصحاب المصالح الشيطانية والاقتصادية على حد سواء.
♣ الناس لن تنطلى عليهم الحيل القديمة وهنا يبرز دور الإعلام الوطني في التنوير والتحليل المنطقي والمحايد لكل المرشحين حتى يتعرف الناخبين على برامجهم الانتخابية.
◘◘◘ وما أحلاه من تعبير ذلك الذي خطه الماغوط يرثي به حالنا مع (المزبليون) أصحاب (الاستبداد المزبلي )
فيقول :
حبيبتي
هم يسافرون ونحن ننتظر
هم يملكون المشانق
ونحن نملك الأعناق
هم يملكون اللآلئ
ونحن نملك النمش والتواتيل
نزرع في الهجير ويأكلون في الظل
ألا يحق لنا أن نمارس تاريخنا دون فضلات , دون سلة مهملات .؟
هذا سؤال آخر , وهكذا سألته دون مقدمات , فأجابني – الماغوط- بتحفة نثرية من الدرجة الأولي :
يا أيها الشرطي: لم تجلد الأبرياء.؟
أيها الموظف : لم تبتز الغرباء .
أيها البريء : لم لا تصرخ في وجه مضطهديك.؟
أيها القاضي : لم تصدر أحكاماً لا تؤمن بعدالتها .؟
أيها الممثل : لم تقبل أدواراً تخجل من ذكرها. ؟
ويجيب الماغوط نفسه قائلاً بألسنتهم جميعا ً : (نريد أن نعيش !)
فأيقنت بحرارة أن * المزبليين* ليسوا أصحاب السطوة وحدهم .
إن لم نحرك كل خلية حرية في عقولنا ونجلد بسوط لاسع كل شعرةٍ متكاسلة متباطئة , فكما أن هناك مزبلة تاريخية مظلمة , فهناك جنة تاريخية ملؤها عز وفخر وحرية . ودعنا قبل أن (نتفلسف) بتعريف (مزبلة التاريخ) , أن نقرأ عن (تاريخ المزبلة) علنا نستقي منها حروفا من نور وعبراُ, وقبل أن نحمل نعش التاريخ على أكتافنا , دعنا نزرع التفاؤل في ظل كل شجرة مباركة , دعونا نبارك كل حر ما دمنا نملك عنقاً وعقلاً ...!
◘◘◘ كل يبكى على ليلاه، وليلى مصر لا تجد من يبكى عليها، وكل يلهث وراء مصالحه الشخصية ويقسم أنه يفعل ذلك لمصلحة مصر، ومصر لها مصلحة في أمر واحد فقط هو إعلاء قيم الديمقراطية والحفاظ على حيوية وحماس الناخبين، بعد أن آمنوا بأنهم هم الدين يقررون مصير وطنهم، وأن من كان يصوت نيابة عنهم ذهب إلى غير رجعة، فلا تسلموهم لليأس مرة ثانية .