يقول عز وجل :
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )
(اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي خاتم الأنبياء والمرسلين(.
لقد كان مولد ومبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكة أم القرى . أشرف وأطهر بقاع الأرض .
وكل من كان من أم القرى مكة فهو أمى . يقول سبحانه وتعالى :
(فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ )
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ )
فالنبي صلى الله عليه وسلم نبي أمي لأنه من أم القرى مكة وليس لأنه لا يقرأ ولا يكتب بعثه سبحانه وتعالى من الأميين وفى الأميين وإلى الأميين .
والأميين هم أهل مكة وليس لأنهم لا يقرأون ولا يكتبون فهم كانوا أهل الفصاحة واللغة وإنما لأنهم من أم القرى مكة .
يقول جل شأنه : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ )
أبوه أسمه عبد الله تزوج من السيدة آمنة سيدة النساء شرفاً وموضعاً وأفضلهم نسباً وصهراً .
حملت به أمه ومات أبوه وأرضعته كريمة بنى سعد بن بكر وشريفتهم وابنة سيدهم .
آواه الله جل فى علاه ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ) . ونشأ بجوار بيت الله وعين الله تحفظه وترعاه .
عمل بالتجارة مع أعمامه وجده وكان ذا خلق عظيم حتى لقب بين الناس بالصادق الأمين .
رأى صلى الله عليه وسلم ما رآه من ضلال أهل مكة وعبادتهم للأصنام والأوثان فحبب الله إليه الخلاء في غار حراء
(وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ) وهداه الله لعبادته وأوحى إليه أن يكون من الموحدين .
يقول جل ذكره : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً )..
أوحى الله إليه بأنه النبي المصطفى المختار للرسالة .
وشرح الله صدره للإسلام ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) وأمره الله أن يكون أول المسلمين
(أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإِسلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ). يقول صلى الله عليه وسلم فى كتاب الله :
(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )
وعلّمه سبحانه وتعالى عِلماً خرج به عن ناموس الحياة .
فالبشر تعلموا بالقلم أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذي علّمه هو الله
يقول عز وجل (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى )
فكان لسانه أبلغ وأفصح لساناً بعد كتاب الله ولم يخط قلماً أو يقرأ كتاباً إعجازاً منه سبحانه وتعالى لما قدره وقضاه
بأن آيته ومعجزته ستكون كتاب كريم وقرآن حكيم .
يقول تبارك وتعالى : ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ )
فلقد جعل الله أساس العلم والتعلم لعباده هو القلم . فقال سبحانه :
(عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )
والقلم هو رسول الفكر وسفير النقل وترجمان الذهن إذا وقفت به سكت وإذا سرت به نطق فهو يخدم الإرادة ولا يمل الاستزادة . ولقد أقسم الله تعالى به في كتابه فقال
(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمه وتعلمه خرج به عن قانون وناموس الحياة..
فلم يكن كعلم وتعلم سائر خلق الله ....
حُق وعد الله ونزلت الرسالة على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتاه الوحي الأمين سيدنا جبريل عليه السلام بالآية والمعجزة وهى :
كتاب الله المبين وقرأنه الحكيم . يقول رب العرش العظيم :
(وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ )
أتاه الروح الأمين في ليلة مباركة هي ليلة القدر ونزلت معه الملائكة بهذا القرآن العظيم فأنزله عليه مفرقاً على مر الأيام والليالي والسنين .
قال له : أقرأ . فقال صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ ( آي ماذا أقرأ . أل ما استفهامية وليست نافية )
فقال له : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق َ خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ...
أنزل الله الكتاب الكريم فيه نبأ الأولين والآخرين وما كان من قَصص الأمم والسابقين .
سُمّىَ بالكتاب للعناية بتدوينه كتاباً . وبالقرآن لحفظه وقراءته قرآنا .
أبواب العلم والحكمة فيه لا تحصى ولا تستقصي من أراد السبيل إلى إحصائها لن يبلغ إلى ذلك وصولا ومن رام
الوصول إلى استقصائها فلن يجد إلى ذلك سبيلا .. يقول تبارك وتعالى :
( وَمَا أُوتيتمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً )
جعله الله باللسان العربي المبين وهذا اللسان لا يدانيه أي لسان في الفصاحة أو البيان .
يقول العزيز الرحمان : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ )
وإن إعجاز هذا الكتاب والتحدى به قائماً .. وسيظل قائماً .. بهذا اللسان .
( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )..
علِمه من علمه وجهِله من جهله لا يعلم به من جهله ولا يجهله من علمه .
لو اجتمع كافة الإنس والجان منذ بدء الخليقة وحتى يوم الدين فلن يحيطوا بعلمه ولا بما فيه من بيان أو تبيان
ولن يأتوا بفصاحته أو طلاوته وليس لآي منهم أن يحيطوا بوجوه لفظه أو بلاغته ولا بمتانة أسلوبه أو لطائف إشارته .
كتابٌ أدهش العقول وحير الألباب وأبهر فصحاء العرب وأمراء البيان وألسن أصحاب الكلام فوقفوا أمامه حيارى مبهوتين .
أنزله الله على نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم لينذر به كافة الإنس والجان .
وأمره أن يبدأ في النذارة بعشيرته المقربين . وأن ينذر الغافلين الذين لم يأتهم بشير أو نذير . وينذر الكفار والمشركين .
واليهود والنصارى . والصابئين والمجوس . وكل من حاد ومال عن صراط الله المستقيم
كان أهل مكة يعبدون التماثيل والأصنام ويقدسون الأوثان والأحجار . عبدوا ما لم يأذن به الله ونصبوا
بأيديهم حجارة صوروها واستحسنوها ولقبوها أسماء افتعلوها ودعوها آلهة من دون الله .
كان لقبيلة ثقيف صنم يسمونه : اللات . ولآخرين : العزى . وصنف ثالث : صنم يقال له : مناة .
وكانوا يذبحون ذبائحهم باسم تلك النصب تعظيماً وتقديساً لها ولا يسمون اسم الله عليها .
وفشى بينهم وبين القبائل الثأر والانتقام والوحشية والحِمية والعصبية واستحلال الحرمات واقتراف الموبقات ووأد البنات وسفك الدماء . يتخطفان الناس ويسلبون الأموال . ويتطيرون ويستقسمون بالأزلام وأنواع كثيرة وعديدة من الضلالات والخرافات والجهالات ..
أتاهم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالهدى ونور الحق وأنذرهم بما أوحى الله إليه
وما أنزله الله عليه ليخرجهم من ظلمات الجاهلية التي قبعوا فيها .
دعاهم إلى الإيمان بوحدانية الله وألا يتخذوا آلهة وأنداداً وأولياء لهم من دون الله . ودعاهم إلى عبادة من خلقهم
ورزقهم ومن يحييهم ويميتهم وأن ينبذوا الأصنام والأوثان التى لا تضر ولا تنفع
ولا تملك لهم رزقاً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشورا . ونهاهم عما حرم الله . وحذرهم من عذاب الله .
آمن منهم : الأولون وهم السابقون المقربون أولئك هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورضى الله عنهم أجمعين وهم صدر الإسلام الأول .
وكفر منهم : من مرضت قلوبهم وصُمّت آذانهم وجثت الظلمة على عقولهم وأغواهم الشيطان الرجيم
فأشركوا بالذي خلقهم وبرأهم ومن بيده ناصيتهم . ساء ما كانوا يفعلون وما كانوا به يحكمون .
سلك بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجة والمحجة لينتشلهم مما غرِقوا فيه من الجهالة ولكي ينقذهم مما انهمكوا فيه من الضلالة علّهم يثوبون إلى رشدهم ويتذكروا الفطرة التي فطرها الله لهم إلا أنهم اتبعوا أهواءهم وأصروا على ما هم فيه من بوار وخسران ولم يفرقوا بين الكفر والإيمان ولا بين جنة النعيم وسكنى الجحيم .
يقول سبحانه وتعالى :
( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ
أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )
ويقول عز وجل :
(وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً
وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً )
كانوا قوماً لُداً فجارا . لم يؤمنوا بربهم وكذبوا نبيهم وجحدوا ما أنزل الله وأنكروا يوم البعث واللقاء .
قالوا ما قالوا عن الله . وقالوا ما قالوا عن كتاب الله . وعن نبي الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم .
وسيقول مثل قولهم من يتبع كفرهم وإفكهم ومن سلك ويسلك سبيلهم .
جعلوا لله شركاء من الجن . وخرقوا له بنين وبنات . وجعلوا بين الله وبين الجنة نسبا . وجعلوا الملائكة إناثاً .
وجعلوا لله من عباده جزءاً . وجعلوا نصيبا لله من الحرث والأنعام .
عبدوا ما لم ينزل الله به من سلطان وما ليس لهم به من علم .
وقالوا كيف نحيا بعد موتنا ونبعث بعد أن نصبح تراباً وعظاماً بالية إنّنا لن نترك ما كان يعبد آباؤنا وما وجدنا عليه أجدادنا وإن آلهتنا شفعاء لنا
قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ساحر . وإنه رجل مسحور . وقالوا إنه شاعر وإنه رجل مجنون .
وقالوا كيف يكون محمد مرسلاً لنا وهو بشر مثلنا يأكل كما نأكل ويشرب مثلما نشرب ويمشى فى الأسواق كما نمشى .
قالوا إنه جاء يصدهم عما كان يعبد آباؤهم .
وقالوا كيف يكون محمد بنبى وهو لا يملك جنة من نخيل وأعناب أو جنة ذات أنهار . وكيف يكون برسول
وهو لا يملك كنز أو بيت من زخرف .
وقالوا عن كتاب الله أنه يُملى عليه . وأنه من أساطير الأولين . وأنه أضغاث أحلام . وقالوا لماذا لم ينزل الله هذا الكتاب
على ملك من الملائكة أو على رجل عظيم . وطلبوا من نبي الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كِسفاً من السماء . و يأتهم بآية تدل على أنه رسول . أو يأتهم بالله والملائكة . أو أن يبدل لهم القرآن . أو يفجر لهم ينبوعاً من الأرض .
(أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ )
قوم أشرار فجار باعوا الآخرة بدار البوار . عَمَت أبصارهم فهم لا يبصرون وختم الله على عقولهم فهم لا يفقهون وصمت آذانهم فهم لا يسمعون .
ليسواْ براشدين هرعوا على آثار آبائهم وساروا على درب من كان قبلهم وقالوا مثل قولهم فطمس الله على قلوبهم وعلى أبصارهم بالغشاوة وباءوا بالسخط والغضب من الله .
( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ )
النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة لهم وللعالمين فكان حزيناً عليهم مشفقاً بهم من المورد الوخيم وسكنى الجحيم . يقول سبحانه وتعالى لنبيه الكريم :
( وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )
(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )
النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يريد لهم النعمة وهم يصرون على النقمة .
النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يطلب لهم الهداية وهم يصرون على الكفر والغواية .
(وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
(وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ )
جعلوا أنفسهم أضل من الأنعام ولم يرتقوا إلى مصاف الإبل والأبقار والأغنام . يقول عز وجل :
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )
أُسْرِى برسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
حمله البراق ليلاً من الكعبة المشرفة بمكة المكرمة وهبط به على الصخرة المقدسة بالمسجد الأقصى .
فلا يوجد على وجه هذه الأرض من بقعة طاهرة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة أفضل من القدس الشريف .
وما من مسجد بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي أشرف من المسجد الأقصى .
يقول العلي العظيم : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)
صلى سيدنا محمد بالأنبياء والمرسلين عليهم جميعا أفضل صلاة وأزكى سلام وتسليم .
صعد البراق بسيد الأولين والآخرين من على الصخرة المقدسة منطلقاً ومخترقاً كل الطبقات والأجواء .
نفذ البراق برسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرض إلى السماء . ووصل به إلى سدرة المنتهى وهى السدرة التي عندها جنة المأوى .
هذا الإسراء كان آية وقدرة من الله . ومعجزة خارقة لكل قوانين ونواميس الحياة .
فمن ارتاد الفضاء كلما علا فيه وارتفع فإن الضغط الجوى ينخفض وتقل نسبة الأكسجين فيشعر رائد الفضاء بانقباض
رئتيه والضيق فى التنفس ويحس بالاختناق . فإن لم يحتاط أثناء صعوده وتصعده فى السماء يصيبه الحرج في القلب
وحالته تكون مضطربة لا يستطيع معها الحركة أو الاستقرار .
أما نبي الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم فقد صعد فى ليلة الإسراء وسرى في الأجواء دون حرج أو اضطراب ودون ضيق أو اختناق ....
وروّاد الفضاء إذا ما صعدوا إلى الفضاء فإن صعودهم يكون عبر خطوط متعرجة منحنية وهو ما يسمى بالعروج أو المعراج
حيث أن حركة الأجسام في الكون لا تكون في خطوط مستقيمة بل لابد لها من التعرج والانحناء .
وإذا ما نفذ رائد الفضاء من طبقة الغلاف الجوى التى تحيط بالكرة الأرضية فإنه بإمر من الله يكون قد اخترق
أحد أبواب السماء وحينئذ تنعدم الجاذبية وتنعدم الأوزان ولا تستوي فيها أي أجسام ولا يكون لها اعتدال أو استقامة فيسبح ويترنح .
أما النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم سرى وصعد واخترق كل طبقات الهواء دون انعدام وزن
أو سباحة وترنح فى الفضاء بل وفتح الله له كل الأبواب التى نفذ منها من سماء إلى سماء
وهو مستقيماً ومعتدلاً ومستوياً فى الآفاق .
فلقد استوى المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يستو ولن يستوي أحداً سواه .
يقول جل شأنه : ( فَاسْتوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى )
ورائد الفضاء إذا ما فتح الله له باباً من السماء وغادر في ارتياده وصعوده الغلاف الجوى للأرض فإن الكون أمامه في الليل أو النهار يكون ظلامه ظلاماً دامساً وحالكاً والإبصار فيه يصبح مقفلاً ومغلقاً والعيون تكون كأنها
قد سدت وغطيت وأغشيت فتصير كأنها مسكّرة لا تعي العين ما ترى .
ويصبح الجسد كأنه مسلوب منه أو مسحور .
يقول جل شأنه : ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ )
أما النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ففى إسرائه ومعراجه فقد اخترق ونفذ واستوى دون أن يكون جسده الشريف كأنه مسلوب أو مسحّر ودون أن يميل عن القصد في رؤياه .
فلقد أراه الله ورأى ما رأى دون ظلمة أو حلكة ودون غشيان للعين أو تسكير في الإبصار .
يقول عز وجل : ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) ويقول جل شأنه : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)..
رأى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم آيات عظمى ومعجزات كبرى . يقول جل شأنه :
(لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )
رأى : كتاب الله المبين وقرآنه الحكيم . رآه بالأفق المبين . يقول العزيز الحكيم :
(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِين ِ)
رآه مرة أخرى عند جنة الخلد والنعيم . يقول رب العرش الكريم :
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى )
إن الإسراء والمعراج بنبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كان ارتقاءً على كل إنسان أو جان في أي زمان أو مكان .
فهو سيد الأولين والآخرين وهو الخاتم لجميع الأنبياء والمرسلين .
لقد قضى الله في علمه أن الإنس سوف يصعدون إلى الفضاء ويخترقون الأجواء ويفتح الله لهم باباً
من السماء ليهبطون منه على بعض الكواكب والأقمار .
وأن الجان أذِن الله لهم فصعدوا إلى السماء ولها قد لمسوا . وصعدوا إلى السماء واتخذوا منها مقاعد للسمع ثم وجدوها ملئت حرساً شديداً وشهبا . فقالوا :
( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً )
(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً )
أما النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد بلَغ فى إسرائه ومعراجه إلى سدرة المنتهى .
فاخترق الأجواء ونفذ من سماء إلى سماء واستوى وهو فى الآفاق وبلغ سدرة المنتهى .
وإن سدرة المنتهى ( والله أعلم وأحكم ) قد تكون عند منتهى الأرض والسماوات . ومن هذا المنتهى تبدأ جنة المأوى
جنة الخلد والنعيم . يقول رب العالمين : ( سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ) .
فقد تكون الجنة هى بداية المنتهى فى كوننا . فمقدار عرض الجنة هو السماوات والأرض .
يقول رب العرش العظيم : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ )
فسبحان مالك الملك والملكوت وسبحان صاحب العز والجبروت . وسبحان ذو العزة والسلطان .
وتبارك الله ذو الجلال والإكرام . وصلى الله على خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .