إن ثورة 30 يونيو هي ثورة حضارية وسلمية جاءت بمثابة امتداد لثورة 25 يناير..
و أن الجيش المصري كان متجاوبا مع مطالب الشعب، واقتصر دوره على حمايتها وتحقيق مطالب الأمة، بعد أن استحكمت الأزمة السياسية في البلاد، ولم يظهر من الرئيس السابق محمد مرسي ثمة بادرة لحل الأزمة.
وأن ما حدث في 30 يونيو هو ثورة شعبية كاملة وليست انقلاباً بأي حال من الأحوال وأن الأعداد التي شاركت في ثورة 30 يونيو فاقت الأعداد التي شاركت في ثورة 25 يناير..
وأن الانقلابات لها مظاهر أخرى مختلفة ..
أن ممارسات الرئيس المعزول وجماعة الأخوان المسلمين هي التي أدت إلى هذه الثورة الشعبية حيث كان هدف الأخوان طوال عام كامل هو السيطرة والهيمنة على كل مفاصل الدولة المصرية دون تحقيق أهداف وطموحات الشعب المصري .
وبعد بيان القوات المسلحة الحازم وإمهاله الرئيس محمد مرسي 48 ساعة للتجاوب مع مطالب المحتجين، ورفض مؤسسة الرئاسة له، وإعلانها بأنه جاء دون الرجوع إليها، وكذلك ردّ التحالف الإسلامي الذي أعلن رفضه الشديد للبيان مطالباً الالتزام بالشرعية، وداعياً إلى الاحتشاد في الميادين بمصر تأييداً مرسي، تصاعد الحديث عن اعتماد الإسلاميين لسيناريو «حافة الهاوية»، خصوصاً في ظل الحديث عن «وجود الرئيس محمد مرسي رهن الإقامة الجبرية في استراحة الحرس الجمهوري بالقاهرة»، من دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، تجنباً لغضب الإسلاميين، فضلاً عن الحديث المتواتر عن تخلي الولايات المتحدة عن دعم مرسي، ورغبة الجيش في رحيل الرئيس.
وكان يوم حاسم تنتظره المحروسة عند الرابعة من بعد الظهر، تنتهي المهلة التي أعطاها الجيش للأطراف السياسية المتنازعة لإيجاد مخرج للأزمة تحت طائلة فرض «خريطة طريق»، بات واضحاً أنها تتضمن تعليق الدستور وتسليم الحكم لرئيس المحكمة الدستورية وتشكيل حكومة انتقالية لإجراء انتخابات وصياغة دستور جديد للبلاد. لكنه مخرج كان المعنيون يجهدون لجذبه ناحيتهم على أمل تحقيق القدر الأكبر من المكاسب. فعلوا ذلك في معركة كباش قاسية استخدمت الشارع وقودا لها.
وبشأن المرحلة الحالية ..
هي فترة انتقالية تتضمن تعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ثم رئاسية وصولا إلى إقامة نظام ديمقراطي مدني كامل .
وأن ما حدث في مصر هو ثورة شعبية نابعة من إرادة الشعب المصري وبخروج جموع كبيرة من الشعب المصري..
ولا يزال المصريون قادرين على إبهار العالم بسلمية تظاهراتهم وإصرارهم على استكمال ثورتهم. وبمجرد أن هلّت عليهم نسائم ثورة يناير، عادوا إلى الميادين منتزعين من الرئيس المصري وجماعته الشرعية التي أضفوها عليهما بمنحهما أصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتجريده من الأغلبية، وخاصة بعدما قُدر عدد المتظاهرين المصريين الرافضين لاستمرار الرئيس في الحكم في جميع ميادين ومحافظات مصر بـ33 مليوناً حسب خدمة «غوغل إرث»، وبـ 30 مليوناً، حسب تقديرات أجنبية، وبـ17 مليوناً حسب رواية مصدر عسكري عن غرفة عمليات القوات المسلحة.
واستعادت مصر ذاك المشهد من أيام يناير ولياليها. ولكن هذه المرة أخذ محمد مرسي والإخوان مكان حسني مبارك والحزب الوطني. الشارع منقسم، مع وضد،
دون تحقيق مطالبهم. وبغض النظر عما إذا كانت الثورة المستعادة ستؤدي إلى إسقاط مرسي أو... لا، فإن نظامه الإخوانى قد يلقى ضربة قاصمة، هي الثالثة لمثلث الحكم الإسلامي ـــ الأميركي الذي ركب الربيع العربي، بعد انتفاضة تقسيم في تركيا، والتغيير الذي فرض على حكم قطر. صحيح أن عنوان «تمرد» المصريين داخلي بامتياز، لكن تداعياته لا شك أنها ستطبع معالم المنطقة كلها.
وأن بعض الأحزاب السياسية المحسوبة على الصف اليساري ما زالت حائرة بصدد ما يقع في الساحة المصرية، ولازالت تدرس الوضع.. هل يتعلق الأمر بثورة أم بانقلاب..!!
الالتباس الكبير يرجع إلى كيفية التعامل مع الاحتجاجات الشعبية التي خرجت إلى الشارع يوم 30 يونيو، ومدى تعبيرها عن رأي فئات واسعة من الشعب المصري ‘ثارت’ على حكم الإخوان..
وبالتأكيد هناك فئات ساخطة على وصول الإسلاميين إلى رأس السلطة في مصر، وهناك تيارات سياسية لن تكون سعيدة بوصول الإخوان المسلمين إلى رئاسة الجمهورية، ولن تتردد في معارضتهم بكل الوسائل الممكنة..
السؤال الذي يفرض نفسه، هل تتم معارضة الإسلاميين بالوسائل الديموقراطية أم يتم الاستقواء عليهم بتدخل الجيش..
هنا مربط الفرس..؟
لكن مع ذلك دعونا نتأمل في مظاهرات 30 يونيو هل كانت فعلا ثوريا حقيقيا..؟
هناك فرق كبير بين الثورة الحقيقية التي انطلقت يوم 25 يناير وبين ما سمي بـ’ثورة’ 30 يونيو.. خلال الثورة الأولى نزل الشعب ولم ينزل أنصار مبارك، أما يوم 30 يونيو فقد نزل إلى الشارع أنصار حسني مبارك بمن فيهم رجال الشرطة والأمن بزي مدني حسب العديد من الشهادات، خلال ثورة 25 يناير سقط مئات الشهداء بعد تدخلات عنيفة من رجال مبارك وبلطجيته وفلوله (موقعة الجمل) ووجهت من قبل المتظاهرين بكافة فئاتهم وتلويناتهم السياسية وأبلى الإخوان المسلمون بلاء حسنا في هذه المعركة، أما وقفة 30 يونيو فقد مرت والطائرات العسكرية تمطر المتظاهرين بالأعلام المصرية والماء البارد وتسهر على أمنهم وراحتهم..خلال ثورة 25 يناير نزل الشعب المصري بكافة أطيافه ومكوناته الفكرية والسياسية أما في وقفة 30 يونيو فقد غابت عنها قوى سياسية أساسية نظمت مظاهرات مليونية مازالت متشبثة بالشرعية الدستورية وعودة الرئيس المنتخب..
الذين نزلوا يوم 30 يونيو عادوا لبيوتهم بعد 48 ساعة من أداء مهمتهم، ولو كانوا ثوارا حقيقيين لاستمروا في الضغط بواسطة الشارع على الرئيس مرسي حتى يضطر للتنحي لوحده ولما قاموا باستجداء الجيش للتدخل.. أما ثوار 25 يناير فقد ظلوا معتصمين لغاية إسقاط رمز النظام السابق حسني مبارك، بعدما اختار هذا الأخير التنحي وتسليم السلطة لنائبه عمر سليمان الذي اضطر بدوره إلى التنحي تحت ضغط الشارع، قبل أن يتسلم الجيش زمام الأمور..
ثورة 25 يناير أسفرت عن اعتقال مبارك وأبنائه وأقرب مساعديه، أما ما سمي بثورة 30 يونيو فقد أعقبها اعتقال العديد من القيادات السياسية بسبب انتمائها السياسي ومواقفها الرافضة لحكم العسكر.
سيذكر التاريخ أن الرئيس المنتخب بعد الثورة الحقيقية لم يغلق القنوات الفضائية التي ظلت تنتقده وتسبه وتحط من قدره وتسعى لتشويه صورته وسمعته طيلة سنة كاملة، وسيذكر التاريخ أن الرئيس مرسي لم يسمح بإطلاق الرصاص على المتظاهرين ضده ولم يقم بتسخير القضاء لضرب مخالفيه ولم يزج بمعارضيه في السجن.. أما ‘ثورة العسكر’ فقد أسقطت أزيد من 200 شهيد بعضهم من النساء والأطفال بدم بارد، ومازال الرفاق حائرين: أهي ثورة أم انقلاب..؟!!
الرئيس مرسي يواجه اليوم تهمة التخابر مع حماس، وهي تهمة لا يعاقب عليها سوى القانون الإسرائيلي..
وبالمناسبة فمن إنجازات ‘ثورة’30 يونيو تدمير أكثر من 80 في المائة من الأنفاق التي تمثل شريان الحياة بالنسبة لغزة..
الذين مازالوا يعتبرون بأن ما حصل يوم 30 يونيو ثورة وليس انقلابا، عليهم أن يراجعوا تاريخ تصفيات الثورات الشعبية، وسيجدون ما يحصل في مصر اليوم لا يختلف كثيرا عما حصل لحكومة مصدق في إيران الذي جاء إلى السلطة في أعقاب انتخابات حرة ونزيهة، قام بعدها باتخاذ قرارات اقتصادية وطنية أزعجت البريطانيين والأمريكان، وخاصة عندما قام بتأميم الثروة النفطية..
حاولت الشركات البريطانية استرجاع ما ضاع منها عن طريق وضع شكاية أمام محكمة العدل الدولية، لكن بدون جدوى..فتم اتخاذ القرار بالإطاحة بحكومة مصدق، وتمت الاستعانة بالمخابرات الأمريكية لتحقيق هذا الهدف، وهو ما كشفت عنه وثائق الأرشيف الأمريكي التي تم الإفراج عنها بعد مرور عدة عقود..
نفس المخطط حصل في الشيلي مع سلفادور أليندي الذي كشف عن توجهاته الاشتراكية ضد المصالح الأمريكية في الشيلي..
الموضوع اليوم أكثر خطورة، والصورة بدت أكثر وضوحا..
العديد من إدارات الدول الغربية تريد ديموقراطية على مقاس مصالحها الاستراتيجية، ولذلك لن تسمح بأنظمة سياسية جاءت في أعقاب ثورات شعبية حقيقية..
وكما رفضت الأمس نموذج النظام الشيوعي، فلن تسمح اليوم بوجود أنظمة سياسية تصالح بين الإسلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية..
الوصفة الجهنمية لتصفية الثورات الشعبية تبدأ بتأزيم الوضع الاقتصادي بعدة وسائل، وتوظيف المحبطين والعاطلين من الشباب في عمليات مخلة بالأمن، وإشاعة عدم الاستقرار وحالة الفوضى وتشجيع الإضرابات والاعتصامات، وتوظيف الآلة الإعلامية للقوى المحافظة من أجل تشويه قوى الإصلاح والتغيير وزرع الخوف من المستقبل وتحسين صورة النظام السابق، ونشر نفسية السخط وعدم الرضا على أوسع نطاق بواسطة مختلف أدوات الدعاية، ويمر هذا المخطط عبر إثارة العداوات الإيديولوجية بين قوى الإصلاح، وتحطيم فكرة التوافق والمصالحة ونشر ثقافة الانتقام والحقد والكراهية وعدم الثقة وتعميق الخلاف والتقاطب الحاد بين الأطراف السياسية إلى درجة إيمان كل طرف بضرورة إلغاء الآخر…
كل هذه التقنيات جرى استخدامها في الحالة المصرية، لكن الانقلاب ليس قدرا مقدرا، وكما فشلت محاولة الإطاحة بالراحل تشافيز في فنزويلا، فإن إرادة الشعب المصري وصموده الأسطوري قادرة على استرجاع الاعتراف بالإرادة الشعبية وإعادة المسار الديموقراطي إلى سكته الحقيقية..
حاجتنا لفهم الأسباب العميقة لإجهاض الثورة الحقيقية لبلدان الربيع الديمقراطي، وعدم ترك العمى الإيديولوجي يطمس بصيرتنا لرؤية الحقيقة كما هي لا كما يريد أن يصورها أعداء الديموقراطية والحرية والكرامة في العالم العربي والإسلامي..