
الصلح خير (إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ).
الإسلام يحث المؤمن أن يجعل الإصلاح بين الناس أهم أهدافه في الحياة الدنيا؛ إذ بالإصلاح تصبح الأمة وحدة متماسكة، يسعى بعضها في سبيل إصلاح الآخر، وتكون فعلاً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى، وفي إهمال الإصلاح تفكيك للأمة وتفتيت لروابطها.
ولهذا جعل الإسلام الإصلاح بين الناس أفضل من كثير من العبادات.
قال صلى الله عليه وسلم

أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ)؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ

إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. والإصلاح يكون برأب الصدع وإزالة الفساد الذي دبَّ بسبب الخصام والتنازع على أمر من أمور الدنيا.

فإن إصلاح ذات البين يُذهب وغر الصدور ويجمعُ الشملَ ويضمُّ الجماعة ويزيل الفرقة، والإصلاحُ بين الناس في دين الله مبعثُ الأمن والاستقرار، ومنبع الألفة والمحبة، ومصدر الهدوء والطمأنينة، إنه آية الاتحاد والتكاتف، ودليل الأخوة وبرهان الإيمان. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]. والصلح خيرٌ تهبُّ به على القلوب المتجافية رياحُ الأنس ونسماتُ النَّدى، صلحٌ تسكنُ به النفوسُ، ويتلاشى به النزاعُ، الصلحُ نهجٌ شرعيٌ يُصانُ به الناسُ وتُحفظُ به المجتمعات من الخصام والتفككِ.

يعد إصلاح ذات البين من مكارم الأخلاق العظيمة، فقد حث عليها الشرع في أكثر من مناسبة، كما في قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) الأنفال/1.
وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَن الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) متفق عليه واللفظ للبخاري.
ولأهمية هذه المكرمة جعل لها الإسلام جزءاً من مصارف الزكاة، تصرف على الغارمين الذين يسعون للإصلاح بين الناس. قال صلى الله عليه وسلم

أفضلُ الصدقةِ إصلاحُ ذاتِ البينِ) رواه الطبراني .

فإصلاح ذات البين شعبة إيمانية، وشرعة إسلامية، تُستل بها الضغائن، وتصفو بها القلوب، وتخمد نيران الفتن، قال عز وجل منوهاً بتلك الخصلة: - (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/114.
إنَّ الإصلاح بين النّاس موضوع له خطره وأثره، فالقائمُ بالإصلاح بين الناس يتعرضُ كثيرًا للاتهام من الطرفين، لأنه يمثلُ الحقيقة في وضوحها، ولا يمكن أن يحيد، وقد يحدث أن كلا الطرفين أو أحدهما لا يرضى بالحقيقة، فلا بد له من الصبر الواسع على هذا الأمر العظيم، وله أجر عند ربه سبحانه وتعالى.

بالصلح تُستجلب المودات وتعمر البيوتات، ويبثُ الأمنُ في الجنبات، ومن ثَمَّ يتفرغُ الرجالُ للأعمالِ الصالحةِ، يتفرغون للبناءِ والإعمار بدلاً من إفناءِ الشهورِ والسنواتِ في المنازعاتِ، والكيدِ في الخصومات، وإراقة الدماءِ وتبديد الأموال، وإزعاج الأهلِ والسلطاتِ، وقد أمر الله تعالى بإصلاح ذات البين وجعله عنوانَ الإيمان، فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1] .

والمصلـح هو ذلك الإنسان الذي يبذل جهده وماله وجاهه وسلطته ليصلح بين المتخاصمين، وهو شخص يتصف بأن نفسه تحب الخير وتشتاق إليه، فلا يهمه رأي هذا ولا غمز ذاك ما دام يعمل لله وإرضاء له، فيقع في حرج مع هذا وذاك، ويحمل هموم إخوانه؛ ليصلح بين اثنين.
كم بيت كاد أن يتهدَّم، بسبب خلاف بسيط بين زوجين، فإذا بهذا المصلح يتدخل بكلمة طيبة، ونصيحة صادقة، وأحياناً بمال مبذول؛ فيعيد المياه إلى مجاريها، ويصلح الزوجين، وينقذ أسرة من التشرد والضياع.
كم قطيعة كادت أن تكون بين أخوين، أو صديقين، أو قريبين، بسبب زلة أو هفوة، وإذا بهذا المصلح يرقِّع خرق الفتنة ويصلح بينهما.
كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال وفتن شيطانية، كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثم هؤلاء المصلحين الأخيار.
فهنيئاً أيها المسلمون لمـن وفقـه الله للإصلاح بين متخاصمين أو زوجين أو جارين أو صديقين أو شريكين أو طائفتين.

ومما يدل على عظم فضيلة الإصلاح بين الناس أن الإسلام أباح الكذب للإصلاح بين أهل الخصومة، والمقصود بالكذب المبالغة في وصف جانب الخير، والتأكيد على وجوده عند طرفي الخصام تأليفاً للقلوب، وأنّ ما حصل من خلاف ليس مقصوداً. قال صلى الله عليه وسلم

لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً) رواه أحمد، وقال أحد العلماء: (إن الله أحب الكذب في الإصلاح وأبغض الصدق في الإفساد) فتنبهوا لذلك.
إن علينا أن ندرك أننا بشر، فالخلاف بيننا أمر طبيعي، وقلَّ من يسلم منه، فقد يكون بينك وبين أخيك، أو قريبك، أو زوجك، أو صديقك شيء من الخلاف.. هذا أمر كثيراً ما يحصل، وعلينا أن نتحرَّر من ذلك بالصلح، والمصافحة، والمصالحة، والتنازل، والمحبة، والأخوة، حتى تعود المياه إلى مجاريها.
ولنتأمل هذا الحديث عن سيد المصلحين صلى الله عليه وسلم

تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال:انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم.

تعريف الصلح في اللغة والاصطلاح.
الصُّلْحُ الِاسْمُ مِنْ الْمُصَالَحَةِ أَيْ الْمُسَالَمَةِ وَهِيَ خِلَافُ الْمُخَاصَمَةِ وَقَدْ صَالَحَ فُلَانٌ فُلَانًا وَاصْطَلَحَا وَتَصَالَحَا وَاصَّالَحَا وَأَصْلَحَا بِقَطْعِ الْأَلِفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا } بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَيَصَّالَحَا بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَإِثْبَاتِ الْأَلِفِ بَعْدَهَا قِرَاءَةٌ أَيْضًا وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاحِ وَالصُّلُوحِ وَهُمَا مَصْدَرَانِ لِصَلَحَ وَصَلَحَ مِنْ حَدِّ دَخَلَ وَشَرُفَ جَمِيعًا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَهُوَ ضِدُّ الْفَسَادِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } أَيْ خِلَافَ بَيْنِهِمَا يُقَالُ شَاقَّهُ مُشَاقَّةً وَشِقَاقًا أَيْ خَالَفَهُ وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَصِيرَ هَذَا فِي شِقٍّ وَذَاكَ فِي شِقٍّ بِالْكَسْرِ أَيْ نَاحِيَةٍ وَأَصْلُهُ النِّصْفُ فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا شُقَّ شِقَّيْنِ صَارَ نِصْفَيْنِ .
وقيل الصلح في اللغة: اسم من المصالحة، وهي المسالمة بعد المنازعة،

الإصلاح بَيْنَ النَّاسِ في القرآن الكريم.
ما فضل الصلح في الاسلام .؟
إذا ما علمنا ما فضل الصلح في الاسلام فإنه لن يكون لدينا الوقت لكي نتخاصم ونتدافع فيما بيننا بقولٍ أو فعلٍ، فقد عَدَّدَ الإسلام بعض الفضائل التي تأتي من خلال الصلح ومنها:
قول النبي صلى الله عليه وسلم:- (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ).
تحقيق الأُخُوَة بين المسلمين لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].
هكذا يجب أن يتسائل كل مُشاحن أو مُتباغض؛ لكي يعرف كم أُعدّ له من الثواب الكبير يتحصل عليه إذا ما بادر إلى الصلح مع أخيه أو صديقه أو زوجته، فإنما هي أواصر الرحمة والمودة التي ألقاها الله تعالى في قلوب عباده المؤمنين لكي تستمر الحياة وتسير سفينة الأيام، فلا يُتصور أن تمضي الحياة بالتشاحن والتباغض والفُرقة وإنما خفض الجناح والودّ والألفة هو ما يجعلها أهون وأيسر على كل عاقل.

وأن تهتدي بكتاب الله تعالى في كل كبيرةٍ وصغيرةٍ لهو أدّعى لك وأفضل وأقوم، وإن تساءلت ما فضل الصلح في الاسلام فستجد الإجابة شافية وافيه في كتاب الله تعالى ومن ذلك:
( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128] فهكذا يخبرنا القرآن الكريم أن الصلح خيرٌ من الفراق بين الزوجين.

(فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [البقرة: 182] وذلك أن إذا حضر أحدهم الوفاة وكان يوصي بالوصية ثم خشي أحد المؤمنون أنه لا يقول خيرًا نتيجة لمرضه فقد يظلم ورثته فيوصيه حينها بالقول العادل ويصلح بينه وبين ورثته بطريقةٍ أو أخرى.
(وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة: 224] وهذا لأن النهي عن حفظ القسم قد تقدم، ولكن إن كان القسم عن أمرٍ واجب أو صُلح بين الناس فيمكن له أن يتراجع عن قسمه لعمل ما هو أحب إلى الله تعالى.
(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114] أي أنه لا خير فيما يتكلم به الناس إلا أن يكون أمرٌ بصدقة أو معروف أو إصلاحٌ بين الناس والذي لا يكون إلا بين المتنازعين، وهذا إطراءٌ من رب العالمين لمن فعل ذلك، ويكفيه فخرًا فاعلُه.

قال تعالى (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ) سورة الشعراء (152)
وقال تعالى : (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ) سورة النمل (48).

قال تعالى : (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة (224)
قال تعالى( لاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )النساء (114).

قال الله تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) سورة الحجرات (10)
وقال تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) سورة الأنفال (1)

قال تعالى : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) سورة الحجرات (9)
وقال تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) سورة النساء (128).

الصلح في السنة.
الإصلاح بشكل عام وإصلاح ذات البين من عمل الأنبياء والرسل جميعا، لذلك كانت الأحاديث التي تحث على الصلح وبيان فضله ، وعظيم أجره كثيرة.

عن أبي الدر داء رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ ) (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة). قال أبو عيسى الترمذي : ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) .

وعن سعيد بن المسيب أنه قال : (ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة).
وعن عائشة رضي الله عنه وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا قالت : (هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها فتقول أمسكني واقسم لي ما شئت قالت فلا بأس إذا تراضيا ) .

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة قال أبو عيسى هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه ومعنى قوله وسوء ذات البين إنما يعني العداوة والبغضاء وقوله الحالقة يقول إنها تحلق الدين ) .

وعن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلكم أفشوا السلام بينكم).

وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ): (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (سمعت رسول الله ﷺ يقول : (والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلن عيسى بن مريم إماماً مقسطاً وحكماً عدلاً فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليصلحن ذات البين وليذهبن الشحناء وليعرضن عليه المال فلا يقبله ) .

أنواع الصلح . والصلح بين الناس على أنواع وهي:
الصلح بين أهل العدل وأهل البغي.
والبغي في الأصل معناه: الجور والظلم والعدول عن الحق.
فأهل البغي هم: أهل الجور والظلم والعدول عن الحق ومخالفة ما عليه ائمة المسلمين.
يجب أن يعلم أنه لابد للمسلمين من جماعة وإمام؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}، وقال تعالى: {يَا أيّهَا الذينَ آمنُوا أطيعُوا الله وأطيعُوا الرّسولَ وأولي الأمرِ منكُم}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد).

أهمية الصلح بالنسبة للفرد المسلم:
إن الفرد المسلم هو العنصر الأساسي في تكوين الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، لذلك كان الاهتمام به كبيراً فيما يتعلق بالصلح، فقد وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الدين النصيحة) قالها ثلاثاً، قالوا: لمن يا رسول الله؟، قال: (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) ، وعامة المسلمين هم أفراد المجتمع المسلم، والنصيحة لهم تكون بالإصلاح بينهم.


الصلح بين الزوجين .
اهتم الإسلام بالأسرة المسلمة واحاطها بسياج من الضوابط التي تكفل الحفاظ عليها ، كيف لا وهي اللبنة الأولى في المجتمع ، فإذا صلح الأساس سلم البنيان ، لكن قد تحدث المشاكل في الحياة الزوجية نتيجة اختلاف الثقافات ، والعادات ومستوى التدين .

وإن الأمة الإسلامية اليوم لفي أمس الحاجة إلى كل نوع من أنواع الصلح، إذ به صلاح الأمة؛ مجتمعاً وأفراداً.
إن الكلام في الاصلاح هو افضل الكلام فلا خير في كثير من اعمال الناس واقوالهم ومناجاتهم لبعضهم اذا لم يصحبوا نية الاصلاح بين الناس والبر فيما بينهم .

قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإصلاح بين الناس أفضل من تطوع الصيام والصلاة والصدقة .
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ )
قَالَ الترمذي : وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ : ( هِيَ الْحَالِقَةُ . لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ) . رواه أبو داود والترمذي. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وإذا وقع الشقاق والنزاع ودبَّ في الحياة الزوجية واستمرَّ حتى يصل إلى حدٍّ تعسر معه الحياة؛ وتضيق منه النفس؛ فلا مناص من العلاج الشرعيِّ؛ وهو أحد طريقين:
الطريق الأول: الإصلاح بينهما.
والطريق الآخر: القضاء بينهما.ا
أمَّا الطَّريق الأول، وهو: الإصلاح بين الزوجين.

· فمن إيجابياته:
1.حصر المشكلة في نطاق ضيِّق.
2.ستر الأسرار من الانتشار؛ والبعد عن التقوُّل حين تطاير الأخبار.
3.بالصلح يتراضى الطرفان على حلٍّ وسطٍ؛ يكيِّفانه المصلحان الخبيران المؤتمنان؛ بما يضمن استدامة العشرة، وبقاء المودة.

والأصل في الصلح بين الزوجين قول الحق تبارك وتعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } [النساء:35].
الآية تشير إلى ضرورة وجود طرفان في الإصلاح؛ لأن الواحد لا يكفي؛ فهو لا محالة سيميل مع الأقوى تأثيراً من الزوجين؛ ولذا نصب الشارع الاثنان؛ ليرعى كل واحد منهما مصالح أحد الزوجين ويغلِّبها، ومما لاشك فيه أن للصلح بين الزوجين أثر عظيم في إزالة الشقاق والشحناء بين الزوجين ، كما أن في الصلح تجنب الطريق الآخر وهو طريق القضاء الذي يؤدي إلى النفرة بين الزوجين ، وزيادة رقعة المشاكل وخروج الأسرار المنزلية والتدخلات التي تزيد من حجم المشكلة.

الصلح بين المتخاصمين في المال وغير المال.
إن الصلح الإسلامي المشروع يتضمن كل أنواع النزاع ،سواء بين الأفراد والجماعات ، او بين الزوجين ، أو حتى بين الدول ، أو في الأموال وغير الأموال ، كالديات والحدود.
ولقد جعل العلماء ، الصُلح في الأموال قسمان:
أحدهما: صلح على الإقرار وهو نوعان:
أحدهما: الصُلح على جنس الحق، مثل أن يُقِرَّ له بدَين فيضع عنه بعضَه، أو بعَينٍ فيَهبُ له بعضَها ويأخذ الباقي، فيصح إن لم يكن بشرط، مثل أن يقول: على أن تُعطيني الباقي، أو يمنعه حقَّه بدونه، ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرُّع، كالمكاتَب، والمأذون له، وولي اليتيم، إلا في حال الإنكار وعدم البينة، ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالاًّ لم يصح، وإن وضع بعض الحال وأجَّل باقيه صح الإسقاط دون التأجيل، وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه، مثل أن يُصالح عن دية الخطأِ أو عن قيمة مُتلف بأكثر منها من جنسها لم يصح، وإن صالحه بعَرضٍ قيمته أكثر منها صحَّ فيهما، وإن صالحه عن بيتٍ على أن يسكنه سَنَة، أو يبني له فوقه غرفة لم يصح.
وإن قال: أقرَّ لي بديني وأعطيك منه مِئة ففعل صحَّ الإقرار ولم يصح الصلح، فإن صالح إنسانًا ليقرَّ له بالعبودية، أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح، وإن دفع المُدَّعى عليه العبودية إلى المدَّعِي مالاً صلحًا عن دعواه صح.

النوع الثاني: أن يُصالح عن الحقِّ بغير جنسه فهو معاوضة…
إلى أن قال: ويصح الصُّلح عن المجهولِ بمعلومٍ إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة).

الصلح بين المتخاصمين في غير المال.
أي الصلح في الديات ، وأصله الكتاب والسنة ، قال تعالى : (قال: (وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص ووجب المال قليلا كان أو كثيرا) لقوله تعالى {فمن عفي له من أخيه شيء} الآية على ما قيل نزلت الآية في الصلح.

الصفات التي يجب أن تتوفر في المصلحين .
احتساب الأجر وإصلاح النية وتحمل الأذى ، عن عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى ).
تذكير المتخاصمين بما يؤدي إليه الخصام والتحذير من عواقبه . قال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال/46.

لابأس من الكذب إن احتاج الأمر إلى ذلك وكان سبب في الصلح ، عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ( لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا ) . رواه البخاري.

اختيار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين.
تحرّي العدل والحذر كل الحذر من الظلم( فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) . التلطّف في العبارة.
تمثل بأسلوب الداعي إلى الخير والتزام المنهج الرباني الذي دلنا عليه قول الحق عز وجل

ادع الى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن…)
إن المكـارم كلها لو حصلت … رجـعت جمـلتها إلى شـيئين
تعظيم أمر الله جـل جـلاله … والسعي في إصلاح ذات البيـن

فوائد الصلح بين الناس
ما من شكٍ أن الصلح بين الناس فيه من المنافع والفوائد للفرد والمجتمع المسلم الكثير ومن ذلك:
نشر الودّ والألفة والمحبة بين المسلمين وتعميم نمط الوئام العام بين جميع أطياف الدين.

نشأة الأجيال القادمة على حب التسامح والبرّ التي أوصانا بها الدين في كثيرٍ من مواضع الكتاب والسُنّة.
التعاون على البر والتقوى كما أمرنا الله تعالى ومحاولة تجنيب النزاعات الشخصية وتغليب الرأي السديد.

استمرارية الحياة الاجتماعية لإذابة الخلافات بين المتناحرين لا سيما الأزواج الذي على أثرها قد ينهدم البيت وتتشتت الأسرة المسلمة.
وتتضح فيها مدى أهمية الصلح واتخاذه منهجا لحل المنازعات والخصومات بدلا من حلها والفصل فيها في ساحات القضاء ، بل ويجب المبادرة في ذلك حتى لا نتعطي فرصة للخصومة أن تتسع ويحصل مالا يحمد عقباه ومن هذه الفوائد مايلي:
1ـ الإصلاح عبادة جليلة وخلق جميل يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو خير كله (والصلح خير )[ النساء : 128 ] .

2. بالإصلاح تكون الأمة وحدة متماسكة ، يعز فيها الضعف ويندر فيها الخلل ويقوى رباطها ويسعى بعضها في إصلاح بعض .
3. بالإصلاح يصلح المجتمع وتأتلف القلوب وتجتمع الكلمة وينبذ الخلاف وتزرع المحبة والمودة .

4. الإصلاح عنوان الإيمان في الإخوان ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) [ الحجرات : 10 ]
5. إذا فقد الإصلاح هلكت الشعوب والأمم وفسدت البيوت والأسر وتبددت الثروات وانتهكت الحرمات وعم الشر القريب والبعيد .

6. الذي لا يقبل الصلح ولا يسعى فيه رجل قاسي القلب قد فسد باطنه وخبثت نيته وساء خلقه وغلظت كبده فهو إلى الشر أقرب وعن الخير أبعد
7. المصلح قلبه من أحسن القلوب وأطهرها ، نفسه تواقة للخير مشتاقة ، يبذل جهده ووقته وماله من أجل الإصلاح .

يستقر الأمن في المجتمع وتسود المحبة وتتصافى القلوب.
يسود في المجتمع العدل وإقرار الحق.
تستقيم حياة المجتمع المسلم ويتجه الناس للعمل المثمر لأن النفوس قد خلصت من الحقد والكيد للأخرين.

فيه تربية للنفس على العفوا والإيثار.
توفير للأموال التي قد تدفع للمحامين في رفع القضايا ضد بين المتخاصمين.
حقن الدماء التي قد تراق بين المتخاصمين .

حماية المجتمع من التفكك الذي قد ينتج عن تطور الخصام ووصوله للمحاكم.
امتثال أمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى الصلح حيث أنه من أفضل القربات ومن التقوى .(فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم).

فيه حفظ للمجتمع من الهلاك بسبب مايبذله الوسطاء في سبيل الصلح بين المتخاصمين . قال تعالى : (إنا لا نضيع أجر المصلحين)
تتطهر القلوب وتتزكى بالعفو والصلح . قال تعالى(وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ).
المحافظة على صلة الارحام ، لأن الخصومة تزيد في الهجر المنهي عنه.
المحافظة على الأطفال من التشتت الذي قد يفضي النزاع به الى الطلاق.

الصلح يحقن الدماء ويحافظ على الأعراض والأموال:
قتال المسلمين للمسلمين لا يخلوا من أن يقتل بعضهم بعضاً، القاتل مسلم والمقتول مسلم، فيتفانى المسلمون فيما بينهم، وتنشأ بينهم الأحقاد والضغائن والثارات، وينشغل المسلمون بذلك عن أمور الناس، وعن أمور أهلهم، بل وعن أمور دينهم الذي حثهم على الإلفة ونهاهم عن الفرقة.

الصلح يحافظ على المجتمع بالمحافظة على الأسرة:
الأسرة نواة المجتمع لذا حرص الإسلام على حمايتها من التفكك والاختلاف، الذي يبدأ نشوزاً أو إعراضاً ثم يتحول إلى شقاقٍ ففراقٍ، وتفكك الأسرة يؤدي إلى تفكك المجتمع، لذلك قال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ ،
وما هذا الصلح إلا سعياً من الشارع الحكيم للمحافظة على الأسرة، أما إن تمادى الزوجان في النشوز والإعراض وتحول إلى شقاق، فحينئذٍ أمر الله ببعث الحكمين، للكشف عن أسباب الخلاف، واستئصال النزاع من جذوره، فقال: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾.

وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكذب لمن أراد به الإصلاح بين الناس، فعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذَّاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيراً أو يقول خيراً) ، وفي رواية أبي داوود: (ليس الكاذب من نمى بين الناس فقال خيراً أو نمى خيراً) ، وعند البخاري كان يقول: (لا أعده كاذبا، الرجل يصلح بين الناس، يقول: القول ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول: في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها) ، وفي رواية مسلم زيادة قالت: (ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها)، قال البغوي: (والكذب في الإصلاح بين اثنين هو أن ينمي من أحدهما إلى صاحبه خيراً، ويبلغه جميلاً، وإن لم يكن سمعه منه، يريد بذلك الإصلاح).
