

حقيقة العلمانية وكيف دخلت بلاد المسلمين..؟




تعريف العلمانية
ما هي العلمانية .؟! سؤال قصير ، لكنه في حاجة إلى جواب طويل ، واضح وصريح ، ومن الأهمية بمكان أن يعرف المسلمون جوابًا صحيحًا لهذا السؤال ..؟



العلمانية، وهي تعني اللادينية، أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدِّين، وأن الدِّين يبقى بمعزل عن الدنيا، وأمورها.



العلمانية: حركة فاسدة تهدف إلى فصل الدين عن الدولة ، والانكباب على الدنيا ، والانشغال بشهواتها وملذاتها ، وجعلها هي الهدف الوحيد في هذه الحياة ، ونسيان الدار الآخرة والغفلة عنها ، وعدم الالتفات إلى الأعمال الأخروية أو الاهتمام بها ، وقد يصدق على العلماني قول النبي صلى الله عليه وسلم : (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ) رواه البخاري (2887) .
وقد دخل في هذا الوصف كل من عاب شيئاً من تعاليم الإسلام قولا وفعلا ، فمن حَكَّم القوانين وألغى الأحكام الشرعية فهو علماني ، ومن أباح المحرمات كالزنى والخمور والأغاني والمعاملات الربوية واعتقد أن منعها ضرر على الناس ، وَتَحَجُّرٌ لشيء فيه مصلحة نفسية ، فهو علماني ، ومن منع أو أنكر إقامة الحدود كقاتل القاتل ورجم أو جلد الزاني والشارب ، أو قطع السارق أو المحارب ، وادعى أن إقامتها تنافي المرونة ، وأن فيها بشاعة وشناعة ، فقد دخل في العلمانية .




فإن الصراع بين الحق والباطل حقيقة أزلية معروفة عبر التاريخ ، وهو سنة يعرفها كل متدبر وتالٍ لآيات الذكر الحكيم ، ويجدها في المواجهة بين الأنبياء وأعدائهم من الكافرين برسالتهم ، ويتكرر بصور مماثلة عبر العصور بين الدعاة والمصلحين ومناوئيهم حينما يقفون بكل تبجح أمام الحق وأهله ، رافضين جملة وتفصيلاً ما يدعو الدعاة إليه من حق وما يطالبون به من تحكيم لشريعة الله ..



فالعلمانية بخيلها ورجلها تقف بكل صلف ضد أي توجه إسلامي يقوم في أي بلد مسلم مثيرة الشبهات ضده والإساءات المتوالية لكل منتمٍ له ، بدعاوى أن أولئك رجعيون ومتطرفون وإرهابيون ؛ لهدم هذه الاتجاهات أمام الشعوب ، وتخويفها منها بالكذب والتزوير .




لقد وصف الله المنافقين أوصافاً دقيقة ، تنبئ عن حقيقة ما يضمرونه من سوء في الوقت الذي يتظاهرون فيه بالإسلام ، وكأنه وصف لجوقة العلمانيين في عالمنا الإسلامي اليوم ، يقول (جل وعلا) : [ وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ][البقرة : 11 ، 12] .
إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع ، بل يضيفون إليهما السفه والادعاء .. ، والذين يفسدون أشنع الفساد ويقولون : إنهم مصلحون ، كثيرون جدّاً في كل زمان ، يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم ، فيتعذر على أولئك أن يشعروا بفساد أعمالهم ؛ لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية ، ولا يستند إلى أسس شرعية .



إن ظهور الإسلام هو بداية غيظ ورعب لأعداء هذا الدين وخصوم المنتمين له في كل حين ، فهو يؤذيهم ويخيفهم ؛ لأنه من القوة والمتانة بحيث يخشاه كل مبطل ، ويرهبه كل باغٍ ، ويكرهه كل مفسد .. لما فيه من حق أبلج ومنهج قويم ، فهو مضاد للباطل والبغي والفساد ؛ ومن ثم : لا يطيقه المبطلون والبغاة والمفسدون ، لذلك يرصدون لأهله ، ليفتنوهم عنه .




ومن العجب أن يتحدث نفر من المنسوبين للإسلام بكل سذاجة وبورع بارد حينما يدعوننا ألا نتحدث عن خطر العلمانية ، وألا نفضح العلمانيين ، وألا نتهمهم بالخروج والضلال المبين .
كيف لا نتهمهم بكل ذلك وأهدافهم أصبحت مكشوفة للجميع .؟
وكيف لا نفضحهم وأفكارهم الرافضة للدين بانت لكل ذي عينين. ؟
وكيف لا نحذر الناس من شرورهم وتلك هي مواقفهم واضحة من الإسلام وعلمائه ودعاته والمنتسبين إليه .؟



لقد أكد كثير من علماء الإسلام أن حقيقة العلمانية هي رفض للدين أن يكون حاكماً ، بتنحية الإسلام عن الحياة في كل الأمور ؛ والآن تقاتل العلمانية لمنع تحكيم الإسلام وعودته من جديد حتى بالوسائل الديمقراطية التي يتشدقون بها ليل نهار .




أما حكم الإسلام فيهم فقد قال تعالى في وصف اليهود : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) البقرة/85 .
فمن قبل ما يناسبه من الدين كالأحوال الشخصية وبعض العبادات ورَدَّ ما لا تهواه نفسه ، دخل في الآية .
وهكذا يقول الله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) هود/15، 16 .



فالعلمانيون هدفهم جمع الدنيا والتلذذ بالشهوات ولو محرمة ولو منعت من الواجبات ، فيدخلون في هذه الآية ، وفي قوله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) الإسراء/18 . ونحو ذلك من الآيات والأحاديث .




فمن اعتقد أن الشريعة الإسلامية لا تصلح لأمور الدنيا، أو أنها كانت تصلح في فترة من الفترات، ثم تغير الزمن، أو أن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة، ويدعو إلى التخلف، فإنه يجب تعليمه، إن كان جاهلًا، وإقامة الحجة عليه، فإن تاب إلى رشده، وآمن بأحقية الإسلام، وتقدمه، وصلاحيته، فذاك، وإلا ثبت كفره، وارتداده عن الإسلام، وإن صلىّ وصام وزعم أنه مسلم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ {البقرة:208}، وقال عزّ من قائل: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ {الشورى:13}، وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}.



والدِّين هو نظام الحياة في العبادات، والسلوك، والمعاملات، والمعتقدات.
فمن علم أنه عبد، وأن الله ربه، فعليه أن يعلم أن الرب يأمر وينهى، وعلى العبد أن يطيع، ولا يعصي؛ لأن الذي خلقه أرحم به، وأدرى بما يصلحه، أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14}.




العلمانية .. استعمار للفكر والإرادة والعقل..؟
نشأت العلمانية في الغرب بسبب طغيان رجال الكنيسة وهيمنتهم وطغيانهم وفسادهم واستغلال السلطة الدينىية لتحقيق أهوائهم ومطامعهم الشخصية تحت ستار القداسة .
ونشأت العلمانية في عصر التنوير والنهضة الأوروبية لمواجهة الكنيسة ومعارضة سيطرتها على المجتمع ومؤسساته، ومحاربة تنظيم المجتمع على حسب الانتماءات الأفراد الدينية والطائفية، وأنّ وظيفة الدين هي تنظيم علاقة الفرد بخالقه، أمّا بشأن الدولة فلا بد أن يكون تنظيمها الاجتماعي قائم على أساسٍ إنسانيّ بحت.




وانتشرت العلمانية بشكل واسع وسريع بعد نشوءها في الغرب؛ وتحديدًا في أمريكا وفرنسا الثوريتين اللتان تُعدان أول دولتين وُجدتا بشروط علمانية صريحة، لما تتمتع به العلمانية من جاذبية عالمية قوية؛ إذ أنّ لها فائدة حقيقية في المجتمعات المتنوعة بشكل كبير كطريقة لمنع الحكومات من التمييز ضد أي دين من الأديان المُتّبعة في المجتمع.



ولقد انخدع السذج وأدعياء العلم فقبلوا بالمذهب العلماني دون أن ينتبهوا لمكائد العلمانية وخطورتها على بلاد الإسلام .
فالعلمانية في الاصطلاح هي : دعوة إقامة حياة بدون دين .
بدأ انتشار الفكر العلماني الغربي في الوطن العربي مع دخول الاحتلال الفرنسي إلى مصر في عام 1798م .




فبخروج الحملة الفرنسية كانت البداية لبناء جيل مثقف علماني الذي يدين بالولاء لأصول الحضارة الأوربية الناهضة ، وعندما بدأ محمد علي في بعث البعثات إلى الغرب كان له الأثر الكبير في رسوخ العلمانية وتطورها في مصر ، فقد أرسل مشايخ الأزهر إلى الغرب ليتعلموا ويدرسوا هناك ، وتمكنت العلمانية من بعضهم ليعودوا إلى مصر مفتونين بالعلمانية والحضارة الغربية .
فلم يأتوا بالتقدم المادي لأوروبا بل بالأسس التي قامت عليها الحضارة الأوربية .
فصل للدين عن الحياة العامة وخاصة النظم السياسية ، وإطلاق الحريات الشخصية والمساواة بين الرجل والمرأة .




ومن الذين أدخلوا العلمانية مصر وكانوا من مؤسسيها والداعين لها وأفنوا حياتهم لترسيخها في مصر لمحو كل ما هو إسلامي ، وبمعنى أصح علمنة المسلمين .
أحمد لطفي السيد ، أحد رواد التنوير المصري في النصف الأول من القرن العشرين آمن بالليبرالية أو مذهب الأحرار، كما كان يسميه، فعمل على نشرة والدعوة إليه ، يمكن أن نعتبره أعمدة مشروع أحمد لطفي السيد وهى القومية المصرية والليبرالية وبالضرورة العلمانية التي تحتضن القومية والليبرالية.



أعلن أحمد لطفي السيد في أكثر من مناسبة رفضه التام لخلط الدين بالسياسية ، وقد أبدى لطفي السيد دائما معارضته لفكرة الجامعة الإسلامية وكان يرى أن هذه الفكرة تراود البعض من قليلي الخبرة السياسية في مصر نتيجة سياسات أوروبا الداعمة لاستقلال دول البلقان عن الدولة العثمانية، لاعتقادهم أن أوربا تساعد هذه الدول لأنها مسيحية، وأن الأمر في النهاية يدور حول المصالح وليس العقيدة.




كيف تعرف العلماني .؟ و ما هي معتقداته .؟

- العلماني :
تجده يؤمن بوجود إله لكنه يعتقد بعدم وجود علاقة بين الدين وبين حياة الإنسان ( فكر بوذي ) كما يعتقد بأن الحياة تقوم على أساس العلم التجريبي المطلق وهذا ( فكر ماركسي.(

- والعلماني :
تجده يعتبر القيم الروحية التي تنادي بها الأديان والقيم الأخلاقية بأنواعها هي قيم سلبية يجب أن يتم تطويرها أو إلغائها وهذا ( فكر ماركسي.(

- والعلماني :
تجده يطالب بالإباحية كالسفور ، والاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة والخاصة ( أي الخلوة ) ويحبذ عدم الترابط الأسري ( دعوة ماسونية).


- والعلماني :
تجده يطالب بعدم تدخل الدين في الأمور السياسية وأنه يجب تطبيق الشرائع والأنظمة الوضعية كالقانون الفرنسي في الحكم .
وأن الدين للعبادة فقط دون تدخل في شئون الخلق وتنظيمها – كما أراد الله سبحانه وتعالى.

- والعلماني :
تجده يردد دائماً بأن الإنسان هو الذي ينبغي أن يستشار في الأمور الدنيوية كلها وليس رجال الدين .
وكأن رجال الدين هم الذين اخترعوا التعاليم السماوية – ويطالب بأن يكون العقل البشري صاحب القرار وليس الدين . ( مع تحفظنا على رجال الدين لان ليس عندنا رجال دين ولكن عندنا علماء).


- والعلماني :
تجده يصرح باطلاً بأن الإسلام لا يتلائم مع الحضارة وأنه يدعوا إلى التخلف لأنه لم يقدم للبشرية ما ينفع ويتناسى عن قصد الأمجاد الإسلامية من فتوحات ومخترعات في مجال الهندسة والجبر والكيمياء والفيزياء والطب وأن علم الجبر الذي غير المفاهيم العلمية وكان السبب الرئيسي لكثرة من مخترعات اليوم وربما المستقبل ينسب لمبتدعه العبقري جابر بن حيان وهو مسلم عربي .

- والعلماني :
تجده يعتقد بأن الأخلاق نسبية وليس لها وجود في حياة البشر إنما هي انعكاس للأوضاع المادية والاقتصادية وهي من صنع العقل الجماعي وأنها أي الأخلاق تتغير على الدوام وحسب الظروف ( فكر ماركسي .(


- والعلماني :
تجده يعتقد بأن التشريع الإسلامي والفقه وكافة تعاليم الأديان السماوية الأخرى ما هي إلا امتداد لشرائع قديمة أمثال القانون الروماني وأنها تعاليم عفى عليها الزمن وأنها تناقض العلم .
وأن تعاليم الدين وشعائره لا يستفيد منها المجتمع. ( وهذا فكر ماركسي). تنبيه :
العلماني تجده يصرح بهذه المقولة ويجعلها شعاراً له دون أن يكون له دراية أو علم أو اطلاع على التعاليم الفقهية الإسلامية أو على الإنجازات الحضارية الإسلامية0

- والعلماني :
تجده حين يتحدث عن المتدينين فإنه يمزج حديثه بالسخرية منهم ويطالب بأن يقتصر توظيف خريجي المعاهد والكليات الدينية على الوعظ أو المأذونية أو الإمامة أو الأذان وخلافه من أمور الدين فقط .


- والعلماني :
يعتبر أن مجرد ذكر اسم الله في البحث العلمي يعتبر إفساداً للروح العلمية ومبرراً لطرح النتائج العلمية واعتبارها غير ذات قيمة حتى ولو كانت صحيحة علمياً .

- والعلماني :تجده يعتبر أن قمة الواقعية هي التعامل بين البشر دون قيم أخلاقية أو دينية لأنها في اعتقاده غير ضرورية لبناء الإنسان بل أنها تساهم في تأخيره وأن القيم الإنسانية ما هي إلا مثالية لا حاجة للمجتمع بها


- والعلماني :
تجده يعترض اعتراضا شديداً على تطبيق حدود الله في الخارجين على شرعه كالرجم للزاني أو قطع اليد للسارق أو القتل للقاتل وغيرها من أحكام الله ويعتبرها قسوة لا مبرر لها .

- والعلماني :
تجده يطالب ويحبذ مساواة المرأة بالرجل ويدعو إلى تحررها وسفورها واختلاطها بالرجال دون تحديد العمل الذي يلائمها ويحفظ كرامتها كأنثى .

- والعلماني : تجده يحبذ أن لا يكون التعليم الديني في المدارس الحكومية إلزامياً بل إختيارياً .


- والعلماني :
يتمنى تغيير القوانين الإسلامية بقوانين علمانية كالقانون المدني السويسري والقانون الجنائي المعمول به في إيطاليا والقانون التجاري الألماني والقانون الجنائي الفرنسي وهذا القانون يعمل به في بعض الدول العربية . ويعتبر أن تلك القوانين هي الأفيد في حياة الفرد والمجتمع من التنظيم الإسلامي .




مفهوم العلمانية في الإسلام
إن العلمانية هي حركة فاسدة حيث أنها تهدف إلى فصل الدين عن الدولة، بالإضافة إلى أنها تدعو إلى الانكباب على الدنيا والانشغال بالشهوات المتواجدة فيها، فهذه الأهداف هي الأساسية والوحيدة في الحياة عند المذهب العلماني، وتعمل على إبعاد الإنسان عن الدين ونسيانه للدار الآخرة والعيش في غفلة، وعدم الالتفاف إلى الأعمال التي ستفيده في الدنيا الآخرة، وقد يصدق على العلماني قول النبي عليه الصلاة والسلام: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ)”، رواه البخاري، وقد دخل في وصف النبي عليه الصلاة والسلام:
-

كل شخص عاب شيئاً من تعاليم الإسلام قولاً وفعلاً.
-

وكل إنسان عمل على تحكيم القوانين وقام بإلغاء الأحكام الشرعية لأنه يصب في أفكار المذهب العلماني.
-

وإن الشخص الذي يبيح المحرمات مثل الزنى والخمور والأغاني بالإضافة إلى المعاملات الربوية، وكان فكره أن منعها يكون ضرر على الناس، بالإضافة إلى أنه تحجر لشيء يتجلى فيه مصلحة نفسية فهو يصب أيضاً في العلمانية.
-

وإن كل إنسان أنكر إقامة حدود الله كقتل القاتل أو مثل إقامة حد الرجم أو جلد الزاني، وأيضاً حد السرقة حيث أنه تقطع يد السارق وقد قام بالإدعاء أنها تنافي المرونة وأنها تصب في باب الشناعة والبشاعة فقد دخل في الفكر العلماني وسمي علمانياً.



فمفهوم العلمانية على عدة أوجه تتجلى في
-

من الجانب العقائدي تعني بأنها هي عدم الإيمان بالدين والتنكر له،وتقوم على ترك العمل بأحكامه وحدوده، وهذا يعتبر كفر صريح وشرك.
-

أما العلمانية من الجانب التشريعي فتتجلى بأنها هي فصل الدين عن الدولة وتهدف إلى أمور أكثر شمولية أي هدفها الرئيسي هو فصل الدين عن كل جوانب الحياة وليس فقط عن الدولة وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أنها تشجع بالحكم بغير ما أنزل الله.
-

أما من الجانب الأخلاقي فالعلمانية هي الانفلات والفوضى التي تنشر الفاحشة والشذوذ، وتستهين بالدين وسنن الهدى، فهم بهذه الأفكار العلمانية يعيثوا في الأرض فساداً وضلالاً.




حكم العلمانية في الإسلام
العلمانية والإيمان نقيضان، فإن الإيمان يقتضي الانقياد والإذعان لما جاء من عند الله، والعلمانية تقتضي التمرد على الوحي، والكفر بمرجعيته في علاقة الدين بالحياة، وإطلاق العنان للأهواء البشرية بلا حدود.
الإيمان يقتضي تعظيم شعائر الله وتقديس كتابه والتعبد بطاعته، والعلمانية تقتضي - كما سبق - نزع القداسة عن جميع المقررات الدينية، والتعامل معها باعتبارها مواريث بشرية بحتة تخضع لما تخضع له سائر المفاهيم البشرية من النقد والتعديل أو الإلغاء بالكلية في ضوء ما تقتضيه المصلحة البشرية البحتة.
والعلمانية بهذا النحو لا تجتمع مع أصل دين الإسلام، بل إن شئت الدقة لا تجتمع مع أصل دين سماوي بوجه من الوجوه، فهي شرك في التوحيد ونقض للإيمان المجمل، وهي ثورة على النبوة، وهدم لأصل الدين وحقيقة الإسلام.
إن حكم الإسلام من المذهب العلماني والعلمانيون نجده في الآيات الكريمة التي تم ذكرها في القرآن الكريم وهي كالتالي:
-

قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة آية 85: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فمن وافق على ما يناسبه من الدين حسب أحواله الشخصية وفي بعض العبادات، ولكنه لم يوافق على ما لا تهواه نفسه فقد دخل في هذه الآية.
-

يقول الله تعالى سبحانه وتعالى في سورة هود آية 15 و 16 : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ).
فنجد أن العلمانيين يهدفوا إلى التلذذ بشهوات الدنيا ولو كانت محرمة أو منعت من الواجبات، فهم يدخلون في الآية الكريمة في قول الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء آية 18: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا).
وإن العلمانيون يدعون إلى الدينا ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، فهو يدعو إلى متابعة العالمين، بالإضافة إلى تتبع رأي العالمين في شركهم وضلالهم وخرافاتهم، وينادون بفصل الدين عن الدول والسؤال المطروح هنا هل العلمانيون كفار؟ فالإجابة هنا تتجلى بنعم نعم العلمانيون يدخلون في الكفر.




إن موقف الإسلام من العلمانية كالتالي:
-

إن الإسلام اعتبر العلمانية بأنها هي شرك في التوحيد من جانبي الربوبية والألوهية، فالخلق والأمر من أخص خصائص الربوبية، فقد قال الله تعالى في سورة الأعراف آية 54: “أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”، فإن توحيد الربوبية لا يتحقيق إلا بإفراد الله بالخلق وإن الأمر يكون على قسمين القسم الكوني والشرعي، وإن إفراده بالأمر الشرعي يكون بالإقرار له وحده بالسيادة العليا، بالإضافة إلى التشريع المطلق، فليس هناك حلال إلا ما أحله الله، ولا يكون الأمر حراماً إلا ما حرمه الله، وليس هناك دين إلا ما شرعه، ومن سوّغ للناس أن يتبعوا شريعة غير شريعة الإسلام فهو كافر مشرك.


- إن العلمانية ثورة على النبوة، فقد قال بن القيم الجوزية رحمه الله: (وأما الرضا بنبيِّه رسولاً: فيتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقَّى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكامه ظاهره باطنه، لا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه)، وقد قال الله تعالى في سورة النساء آية 65 : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.(

-

العلمانية قامت بالاستحلال للحكم بغير ما أنزل الله، وهنا نجد أن علماء الدين قد اتفقوا أن استحلال المحرمات القطعية هو كفر بالإجماع، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (والإنسان متى حلَّل الحرام المجمع عليه، أو حرَّم الحلال المجمع عليه، أو بدلَّ الشرع المجمع عليه، كان كافرًا ومرتدًّا باتفاق الفقهاء)، وفي مثل هذا المعنى الذي ذدره ابن تيمية نزل قول الله تعالى في سورة المائدة آية 44: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).


- العلمانية حكم الجاهلية وعبودية للهوى، حيث أن الله سبحانه وتعالى جعل هناك طريقين فقط إما أن يكون حكم الله أو حكم الجاهلية، فقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة آية 50: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، حيث أن العلمانية عندما ترفض الشريعة حيث أنها تحث البشر إلى عبادة غير ما أنزل الله، فهي بهذه الحالة ترجع إلى عصر الجاهلية، وتعمل على إدخال البشر في عبادة الهوى بعيداً عن عبادة الله عز وجل.




الأركان التي تقوم عليها العلمانية :

- الركن الأول : قصر الإهتمام الإنساني على الدنيا فقط ، وتأخير منزلة الدين في الحياة ، ليكون من ممارسات الإنسان الشخصيَّة ، فلا يصح أن يتدخل في الحياة العامة ، وأما الدار الآخرة فهي لما كانت أمر وراء الطبيعة ، فينبغي في دين العلمانية أن يكون مفصولا تماما عن التأثير في الحياة المادية ، وقوانينها المحسوسة .

- الركن الثاني : فصل العلم والأخلاق والفكر والثقافة عن الالتزام بتعاليم الدين ، أيِّ دين كان .

- الركن الثالث : إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني.



كيف نشأة و ظهرت العلمانية..؟
لم تنشأ العلمانية في بلاد الإسلام، ولم تعرفها أرض المشرق بصفة عامة، وإنما كانت نشأتها في أوروبا الصليبية في أعقاب صراع طويل بين الكنيسة وبين السلطة الزمنية؛ حيث سيطرت الكنيسة على كل شيء، فالعلم والتربية والأخلاق والسياسة والاقتصاد والحكم والأدب والفن مرده إلى سلطان الكنيسة، وكل ما خالف تفسيرات الكنيسة ومقولاتها فهو باطل، وكل من اعتنق شيئًا مخالفًا لما تقول به الكنيسة وجبت محاكمته، وربما وصل الأمر بهم إلى إعدامه حرقًا.



فكان التمرد السياسي على الكنيسة من قبل بعض الملوك كما فعل فريدريك الثاني الذي أقام إمارة علمانية في جنوب إيطاليا وكان جريئًا ثائرًا على القديم في جميع مناهجه وآرائه، ولهذه نعته معاصروه بأنه أعجوبة العالم.ثم كان التمرد العلمي من قبل كثير من العلماء الذين أعلنوا إيمانهم بحقائق العلم التي تخالف مقررات الكتاب المقدس، والذين ووجهوا بالحرمان الكنسي، وبأحكام مختلفة انتهت ببعضهم إلى الإعدام حرقًا.



ثم تتابعت صور التمرد ضد الطغيان الكنسي تتصاعد حينًا وتخبو حينًا آخر حتى انتهى الأمر بأطراف هذا الصراع إلى هذه المثنوية التي تمثلها هذه العبارات الكنسية الشائعة: (أعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله)
فكان الغرب النصراني في ظروفه الدينية المتردية هو البيئة الصالحة ، والتربة الخصبة ، التي نبتت فيها شجرة العلمانية وترعرعت ، وقد كانت فرنسا بعد ثورتها المشهورة هي أول دولة تُقيم نظامها على أسس الفكر العلماني ، ولم يكن هذا الذي حدث من ظهور الفكر العلماني والتقيد به - بما يتضمنه من إلحاد ، وإبعاد للدين عن كافة مجالات الحياة ، بالإضافة إلى بغض الدين ومعاداته ، ومعاداة أهله.




كيف وصلت العلمانية إلى بلاد المسلمين



دخلت العلمانية ديار المسلمين ، مع الاستعمار الأوربي الذي هيمن على البلاد الإسلاميّة إثر سقوط الدولة العثمانيّة ، وقد تحمّل الدعوة إلى العلمانيّة بعض المثقفين من العرب وغيرهم في بلاد الإسلام ، ودعوا إلى تطبيق نظريّاتها حرفيّا ، كما دعوا إلى تبنِّي نظرة العلمانيّة لدين الإسلام ، كما كانت تنظر للدين النصرانيِّ المحرف في أوربا سواء بسواء ، ذلك أن العلمانيّة لاتفرّق بين الأديان في أنه يتحتَّم فصل كلِّ منها عن شئون الحياة العامَّة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتشريعيَّة ..الخ .
وذلك أنَّه ليس في الفكر العلمانيّ تمييز بين الأديان ، فلا يفرق بين دين أصله من إنزال الله تعالى ، وآخر من وضع البشر ، كما لا ترى العلمانيّة أي فرق في الأديان التي أنزلها الله ، فلا فرق لديها بين دين محرف وآخر محفوظ ، بل الأديان كلها سواء ، يجب أن تعامل معاملة واحدة ، على أساس الأركان الثلاثة السابقة .



وقد انتشرت العلمانية في بلادنا الإسلامية ، حتى وصلت الجزيرة العربيِّة مهد الإسلام ، ومهبط الوحي ، ودخلت أول ما دخلت مع ابتعاث الطلبة للدراسة في الخارج ، فرجع بعضهم مشبَّعا بالأفكار العلمانية ، فتبنَّتها شخصيَّات بارزة ، وأحزاب وصحف ومؤسسات كثيرة .
ولقد كان للنصارى العرب المقيمين في بلاد المسلمين دورٌ كبيرٌ ، وأثرٌ خطيرٌ ، في نقل الفكر العلماني إلى ديار المسلمين ، والترويج له ، والمساهمة في نشره عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، كما كان أيضًا للبعثات التعليمية التي ذهب بموجبها طلاب مسلمون إلى بلاد الغرب لتلقي أنواع العلوم الحديثة أثرٌ كبيرٌ في نقل الفكر العلماني ومظاهره إلى بلاد المسلمين ، حيث افتتن الطلاب هناك بما رأوا من مظاهر التقدم العلمي وآثاره ، فرجعوا إلى بلادهم محملين بكل ما رأوا من عادات وتقاليد ، ونظم اجتماعية ، وسياسية ، واقتصادية ، عاملين على نشرها والدعوة إليها ، في الوقت نفسه الذي تلقاهم الناس فيه بالقبول الحسن ، توهمًا منهم أن هؤلاء المبعوثين هم حملة العلم النافع ، وأصحاب المعرفة الصحيحة ، ولم تكن تلك العادات والنظم والتقاليد التي تشبع بها هؤلاء المبعوثون وعظموا شأنها عند رجوعهم إلى بلادهم إلا عادات ، وتقاليد ونظم مجتمع رافض لكل ما له علاقة ، أو صلة بالدين .




صور العلمانية
للعلمانية صورتان ، كل صورة منهما أقبح من الأخرى :

- الصورة الأولى : العلمانية الملحدة : وهي التي تنكر الدين كلية : وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ، ولا تعترف بشيء من ذلك ، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله ، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها ، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين ، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين ، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفـارق دينه ، ( وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف ) ، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب ، أو السجن أو القتل .

- الصورة الثانية : العلمانية غير الملحدة (وهي علمانية لا تنكر وجود الله ، وتؤمن به إيمانًا نظريًا : لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا ، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا ، ( وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة ) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين ، فعدم إنكارها لوجود الله ، وعدم ظهور محاربتها للتدين يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية ، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين ، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية ، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك بل كثير من الناس لا يظهر لهم محاربة العلمانية ( غير الملحدة ) للدين ؛ لأن الدين انحصر عندهم في نطاق بعض العبادات ، فإذا لم تمنع العلمانية مثلاً الصلاة في المساجد ، أو لم تمنع الحج إلى بيت الله الحرام ، ظنوا أن العلمانية لا تحارب الدين ، أما من فهم الدين بالفهم الصحيح ، فإنه يعلم علم اليقين محاربة العلمانية للدين ، فهل هناك محاربة أشد وأوضح من إقصاء شريعة الله عن الحكم في شتى المجالات ، لو كانوا يفقهون .




نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي
العلمانية خبث لا يخرج إلا نكداً : قول الله تعالى: {والذي خبث لا يخرج إلا نكداً} [الأعراف: 58]. ولأن العلمانية شجرة خبيثة فقد أثمرت بيننا اليوم - ممن يقولون إنهم مسلمون- من يستنكر وجود صلة بين العقيدة والأخلاق، وبخاصة أخلاق المعاملات.
وأثمرت بيننا اليوم حاصلين على الشهادات العليا من جامعاتنا وجامعات العالم يتساءلون في استنكار ما للإسلام وسلوكنا الشخصي.؟
وما للإسلام والعري على الشواطئ.؟
وما للإسلام وزي المرأة في الطريق.؟
وما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأس سبيل.؟
ما للإسلام وتناول كأس من الخمر لإصلاح المزاج.؟
ما للإسلام وتعامل الناس بالربا في البنوك.؟
ما للإسلام وهذا الذي يفعله (المتحضرون).!! ؟
الذين يلهثون خلف راياتهم الخبيثة ويرددون بأن (الدين لله والوطن للجميع).. ولا عجب في ذلكن فهم طلائع مدرسة (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله!!.. (



وهم يتساءلون كذلك، بل ينكرون بشدة وعنف أن يتدخل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد.. فما للدين والمعاملات الربوبية.؟
وما للدين والمهارة في الغش والسرقة.؟
وما للدين وتجارة الخمور والمخدرات ما لم يقع تحت طائلة القانون الوضعي.؟
وما للدين والسياسة والحكم.؟
لا .. بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا دخلت في الاقتصاد تفسده.!!
ولا غرابة في ذلك، فهم قد رضعوا وشبوا على شعارات (فصل الدين عن الدولة)، و لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين..!!




أهمية البرامج الدينية في أجهزة الإعلام الشيطانية
لا يزال المنافقون والزنادقة على مدار التاريخ الإسلام يدعون الإيمان، بل ويزعمون للناس أنهم مجددون وأنهم يصلحون في الأرض ولا يفسدون.
كذلك يدعي الإيمان بعض قيادات العلمانية الديمقراطية في العصر الحديث، بل منهم من يتقلب بين عقائد الكفر المتعددة فهذا شيوعي سابق أصبح ليبريالياً متعصباً، ولا غرابة في ذلك حيث أن ملة الكفر واحدة. ولكن الغرابة أنه يلقب نفسه بلقب (الحاج)، ويقيمون في أحزابهم لجاناً للشؤون الدينية..!! {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون} [البقرة: 9].

ومنهم من ادعى الإيمان ودعا إلى زمالة بين الأديان إلى تأليف كتب دينية مشتركة يلتقي عليها المسلمون والنصارى واليهود.
لذلك لا غرابة في إصرار الأنظمة العلمانية الديمقراطية الكافرة على أن يجعلوا للدين برامج تسمى برامج دينية أو (روحية). ضمن أجهزة الإعلام الشيطانية، وهم الذين يجعلون أحكاماً إسلامية للأحوال الشخصية ضمن قوانين الحكم الجاهلية، وهم الذين يجعلون في كل صحفهم ومجلاتهم العلمانية الجاهلية صفحة يسمونها صفحة الفكر الديني..!!




وهم الذين يقولون إن مكان الدين هو المسجد فقط ويظهرون لعامة المسلمين أنهم يحجون لبيت الله في العمرة مرة ويتعمدون إبراز هذه الصور في أجهزة إعلامهم. بينما هم يقصدون بيوت أعداء الله شرقاً وغرباً كل حين يتلقفون منهم المناهج ويتلقون التشريعات والأوامر والنواهي والحلال والحرام..!!



ويمتدح أحد هؤلاء العلمانيين بغباء شديد أحد أئمتهم السابقين ويترحم عليه ويذكر أن أهم فضائله أنه لم يكن يطبق شرع الله..!!



العلمانيون يعبدون أحبارهم المشرعين
إننا نتوجه بهذا السؤال إلى هؤلاء العلمانيين.. إلى كل من يدعي الإسلام من هؤلاء.. فنقول:
إذا أخرجنا - على سبيل التحكم- جزءاً من النشاط الإنساني في الحياة - إما السياسة وإما غيرها- عن دائرة الإسلام.. فمن أين نتلقى منهج وقيم وموازين وتشريعات هذا الجزء؟.
وأيا ما كان الجواب.. فإن نتيجته ومؤداه واحد لا ريب فيه: التلقي عن غير الله.. والطاعة والإتباع لغير الله.
والنتيجة... هي الشرك بالله... وهل هناك صورة من صور الاعتراف بالشرك أصرح من هذه؟ أعني شرك الطاعة والإتباع!!
إنه شرك في عبادة الله، وإن كان الذين يمارسونه قد يجهلون معنى عبادة الله وحده، وما ذلك بغريب على الجاهلين. فإن عدي بن حاتم - رضي الله عنه- في الجاهلية لم يكن يتصور أن ذلك عبادة، فإنه لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، فقال عدي (وكان نصرانيا) يا رسول الله: لسنا نعبدهم. قال: (أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه.؟ قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم .

قال ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على ذلك: (قد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم).
إن العلمانية التي ولدت وترعرعت في أحضان الجاهلية لهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا التباس. ولكن الخفاء والمداورة والالتباس إنما يحدث عمداً من دعاة العلمانية أنفسهم، لأنهم يعلمون أنه لا حياة ولا امتداد لجاهليتهم وسلطانهم في بلاد المسلمين إلا من خلال هذا التخفي وهذه المداورة. ولا بقاء لهم إلا بالتلبيس على جماهير المسلمين وذلك من خلال راياتهم الزائفة التي تخفي حقيقة أمرهم وباطن دعوتهم عن المسلمين وتلبس على العامة أمر دينهم وعقيدتهم خاصة إذا ساندهم من نصبوه مفتياً للديار العلمانية في محاولة تجميل مكشوفة لم تزد وجوههم إلا قبحاً.




العلمانية منازعة في أصل دين الإسلام:
فالإسلام كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرًا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده، وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت" [مجموع فتاوى ابن تيمية: 3/ 91].
ولا شك أن العلمانية بما تتضمنه من رفض الاستسلام لله وحده، وإعلان الكفر بمرجعية وحيه في علاقة الدين بالدولة، ورفض الدخول ابتداء تحت دائرة التكليف فإنها بهذا تكون منازعة لدين الإسلام في أصله، ومناقضة له في أساسه ولبه.




واجب المسلمين
في ظل هذه الأوضاع بالغة السوء التي يعيشها المسلمون ، فإن على المسلمين واجبًا كبيرًا وعظيمًا ألا وهو العمل على تغيير هذا الواقع الأليم الذي يكاد يُحرِّف الأمة كلها بعيدًا عن الإسلام .
والمسلمون جميعهم اليوم مطالبون ببذل كل الجهد : من الوقت والمال والنفس والولد لتحقيق ذلك ، وإن كان العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله وأصحاب القوة والشوكة عليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم ، لأنهم في الحقيقة هم القادة وغيرهم من الناس تبع لهم .
ولا خروج للمسلمين من هذا الواقع الأليم إلا بالعلم والعمل ، فالعلم الذي لا يتبعه عمل لا يغير من الواقع شيئًا ، والعمل على غير علم وبصيرة يُفسد أكثر مما يُصلح .




فما هو موقف علماء المسلمين منها ؟ .
قد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكم الله ، أو أن هدي غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن من هدي الرسول ، فهو كافر ، كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحد من الناس الخروج عن شريعة محمد ، أو تحكيم غيرها ، فهو كافر ضال
فالذين يتحاكمون إلى شريعة غير شريعة الله ، ويرون أن ذلك جائز لهم ، أو أن ذلك أولى من التحاكم إلى شريعة الله ، لا شك أنهم يخرجون بذلك عن دائرة الإسلام ، ويكونون بذلك كفاراً ظالمين فاسقين).




هذه هي العلمانية أيها الناس وهذا هو حكمها ، فهي تلك التصورات القاصرة والمشبوهة عن الإسلام ، وأحكامه ، وأصوله ، وهذا ما يدين به رموز العلمانية في كل بلد مهما تظاهروا زوراً بخلاف ذلك .
فاعرفوا العلمانية حق المعرفة واكفروا بها ؛ لمصادمتها لدينكم ، ولمعارضتها لأصول عقيدتكم ، والواقع أكبر دليل على ذلك .. فإلى متى نتجاهل ذلك ، ونؤول الحقائق .؟
ثم حتى متى يتمسك بعض السذج بذلك الورع البارد الذي ينم عن مدى الجهل بالإسلام نفسه ؟ ! .
إننا نذكر الجميع بأن تلك هي مواقف العلمانية والعلمانيين من الإسلام ، وذلك هو حكم الإسلام فيهم : [ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ][النساء
لابد إذن من العمل بهذا الدين ولهذا الدين ، ولابد من جمع الناس على ما يحبه الله ورسوله من الاعتقادات ، والأقوال ، والأفعال ، ولابد من تحمل التبعات في سبيل ذلك ، ولابد أيضًا من الجهاد في سبيل الله ، وإعلان الحرب على كل محارب لله ورسوله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
ولا أحسب أني بذلك قد تحدثت عن واجب المسلمين كما ينبغي ، ولكن يكفي أن تكون تذكرة لنا جميعًا ، لعل الله ينفعنا بها .. اللهم آمين